الشرف ليس أُنثى!.
![](http://alyamamahonline.com/uploads/1738566616.jpg)
ارتبط مفهوم الشرف لدى العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، عبر التاريخ، بالمحافظة على جسد المرأة. لكن هذا الفهم لم يُبنَ على استقلالية المرأة أو احترامها ككيان كامل، بل على وصايةٍ مفروضة من قِبل آخرين يرون أنفسهم حراسًا على شرفها. وللأسف، في حالات كثيرة، يتم “محو العار” بإراقة دمها، بناءً على مجرد شكوك قد لا تمت للحقيقة بصلة. مثل هذه القضايا لم تظل فردية، بل أصبحت ظاهرة متكررة في العديد من الدول العربية، حيث يتم اختزال الشرف في الجانب الجسدي فقط. هذا الفهم المحدود للشرف يعكس خللًا تربويًا وثقافيًا عميقًا، ورثناه عن ثقافة الجاهلية الأولى، حيث كانت الأنثى تُختزل إلى أداة شرف أو عار للعائلة. ورغم التطور الحضاري والفكري، ما زالت هذه الأفكار قائمة في بعض الأوساط، إلا عند أولئك الذين أدركوا أن الشرف قيمة شاملة أعمق بكثير من هذا الاختزال. الشرف بمعناه الشامل: الشرف الحقيقي هو قيمة متأصلة في كل تصرف نبيل وسلوك أخلاقي، وليس قيدًا يُفرض على المرأة وحدها. الشرف يتجلى في إخلاص الموظف في عمله، في أمانة المعلم في تعليم أجياله، وفي نزاهة البائع والعامل وكل من يؤدي عمله بإتقان وعدل بعيدًا عن المحسوبية والعصبية. هذه القيم هي ما يُعبر عن الشرف بمعناه الراقي، حيث يصبح العقل الرشيد، الأخلاق الرفيعة، والأدب الجم هي المحركات الأساسية للسلوك الإنساني. الشرف ليس مجرد شعور لحظي أو حماسة عاطفية، بل هو سلوك ثابت نابع من عمق القيم الأخلاقية التي تحكمنا في العمل، الحياة، والعلاقات. شرف الحوار والاختلاف: لإسقاط هذا المفهوم على حياتنا اليومية، يكفي أن ننظر إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل منصة أكس. في هذه المساحات الحوارية، كثيرًا ما تتحول الاختلافات في وجهات النظر إلى خلافات شخصية تُفسد جوهر النقاش. يبدأ بعض الأفراد بالتنابز بالألقاب، ويتطور الأمر إلى الطعن في الأنساب، مما يعكس غياب شرف الاختلاف. الاختلاف في الرأي هو أمر طبيعي وصحي، لكن فقدان الأدب والنزاهة في إدارة هذا الاختلاف يكشف عن خلل كبير في قيمنا الحوارية. الشرف الحقيقي في الحوار يكمن في الالتزام بقاعدة الاجتهاد الشهيرة: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.” التمسك بهذه القاعدة لا يعبر فقط عن احترام الذات، بل يعكس أيضًا احترام الآخرين، وهو أحد مظاهر الشرف الأسمى في ميادين النقاشات العامة والخاصة. كيف نستعيد المعنى الحقيقي للشرف؟ لإعادة الشرف إلى مكانته الحقيقية، علينا أن نعيد صياغة مفاهيمنا من الجذور. 1. توسيع التربية الأخلاقية: يجب أن نربي الأجيال على فهم أن الشرف هو سلوك نابع من النزاهة والإخلاص، وليس مجرد مفهوم ضيق يخص المرأة وحدها. 2. تعزيز القيم الإنسانية: علينا أن نغرس في مجتمعاتنا قيمًا مثل التسامح، الاحترام، وقبول الاختلاف، كجزء من فهم أعمق لمعنى الشرف. 3. المساواة في المسؤولية: الشرف ليس مسؤولية المرأة وحدها؛ هو مسؤولية الجميع، رجالًا ونساءً، أفرادًا ومؤسسات. أخيراً: الشرف بمعناه الحقيقي لا يمكن اختزاله في شيء واحد، بل هو قيمة جامعة تشمل كل مظاهر السلوك الإنساني النبيل. إدراكنا لهذه الحقيقة، وتطبيقها في حياتنا اليومية، سيُحدث تغييرًا عميقًا في طريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين. لنستعد معًا معنى الشرف الحقيقي، ليس فقط كقيمة أخلاقية، بل كركيزة أساسية لبناء مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية.