مجهول في قلبي.

“هذا الحدث المبهر معه هو جزء من الإجابة، يكشفه موقف لم أسمع أو أقرأ عن شبيهٍ له قط، وحدث لي معه. حيث يوجز هذا الموقف عمق تواصلي الروحي به.” “نعم، عبر هذا الحدث المذهل – وربما سيسجله التاريخ كأصدق حب وأطهر دموع عرفتها البشرية – حدث ما لا يصدق: تخيلوا أن يبكيك شخص يحبك بهذا القدر، فقط لأن فكرة غامضة راودته وهو وحيد في غرفته، مغلقة نوافذها وأبوابها، حيث باغته هذا الإدراك البسيط الذي يعلمه كل البشر: (نحن جميعًا راحلون). لكنه، ودون علمي، استحضر هذه الحقيقة بيقين مطلق، وتخيل مصيري ومصيرك، وأنني سأرحل ذات يوم، حتى ولو بعد عمر طويل. داهمه هذا الخاطر كأنه واقعٌ لا محالة، فوجد نفسه يغرق في صدمة مباغتة، لم يعد يرى فيها سوى وجهي وحدي.” “أطلق تلك العبرة المدوية في أعماقه بصمت، دون صوت، متسائلًا: كيف أفقدها؟ كيف يفقد العالم هذه الجوهرة المكنونة التي لا تُقدَّر بثمن – في نظره – وبهذه البساطة؟!” “في تلك اللحظة، شعرت بشيء لا يمكن تفسيره. وكأن زلزالًا يجذبني إليه دون سابق إنذار. لا أعلم كيف، لكنني شعرت بانجذاب قسري نحوه. وصلت إلى صومعته المغلقة، تلك التي لا يسمح لأحد بدخولها إلا بإذنه، لكنني اقتحمتها دون تفكير، رغم أنني لم أفعل ذلك من قبل.” “وجدته متربعًا على سريره، في حالة صمت وتأمل عميق، كقديس في خلوته. جلست أمامه، وجهاً لوجه، مقلدةً جلسته. لم نتحدث، لم نسأل، فقط تأملني وتأملته. لحظات صامتة، ثم فجأة، انهمرت الدموع من عينيه وعيني في اللحظة ذاتها، دون أن نعرف لماذا. واصل تأمله لي بحزن عميق لم أفهمه حينها. وبعد دقائق، شعرنا براحة غريبة. مضيت في صمت إلى مكاني البعيد عنه، دون أن أفهم تمامًا ما حدث. “لم أعلم سبب ذلك حتى بعد أشهر، حين حكى لي الحكاية بعد إلحاحي المتكرر عليه. كان ذهولي أكبر من أن أصفه، حتى اليوم… وحتى غدًا: كيف حدث هذا التداعي العجيب؟ كيف وصلني إحساسه عن بعد؟ كيف التقينا في هذه اللحظة بهذه الطريقة التي تعجز عن تفسيرها كل الكلمات؟ ..................................................... *مقطع من كتاب بصدر قريبا بعنوان “مجهول في قلبي” للكاتبة الشابة أرجوان عبدالله، وهو تجربة غير مسبوقة، بدأته منذ سن التاسعة تحت عنوان “بوبي حبوبي”، قبل أن تقرر لاحقًا تغييره إلى اسم أكثر غموضًا وإثارة. ما يميز هذا العمل ليس فقط محتواه، بل الفكرة الفريدة التي بني عليها، حيث يأتي النصف الثاني من الكتاب مغلقًا تمامًا بالشمع الأخضر – في إشارة إلى تشويق القارئ بدلًا من منعه، على عكس الشمع الأحمر الذي يرمز للمنع والتحذير. ويترك للقارئ حرية القرار: هل يقاوم الفضول أم يفتح الفصل الثاني ليكشف سر المجهول.