تم إعادة تأهيله وتطويره ليكون أحد المعالم التاريخية والأثرية بالمدينة:
بئر غرس التاريخي أحد الآبار النبوية السبعة.

شرف الله المدينة المنورة بهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عاش فيها عشر سنوات قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. ولا تزال العديد من الأماكن في طيبة الطيبة تحمل ذكرى الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، ومنها بئر غرس (بفتح الغاء وسكون الراء)، وهو أحد الآبار النبوية السبعة بالمدينة المنورة، حيث شرب منه الرسول صلى الله عليه وسلم وتوضأ منه، وأوصى أن يغسل بمائها. ويحرص زائرو المدينة المنورة من الحجاج والمعتمرين على الوقوف على المعالم التاريخية والأثرية التي ترتبط بسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم - والوقوف عن قرب على مكوناتها، وما شهدته بعض تلك المواقع من تطوير، وتحسين مرافقها للمحافظة على بنائها ومرافقها. يقع بئر “غرس” جنوب المسجد النبوي الشريف في حي العوالي على طريق قربان، ويبعد نحو 1500 متر شمال شرق مسجد قباء، ويقال لها أيضاً بئر الأغرس، وسميت بذلك نسبة إلى الغرس من الفسيل والشجر. ونسب إلى بئر غرس روايات بأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد شرب منها، ودعاؤه لها بالبركة، وثناؤه عليها ووضوؤه منها وإراقة بقية وضوئه فيها، وسكب ما أهدي اليه من عسل فيها، ورؤيته أنه أصبح على بئر من آبار الجنة، فأصبح عليها وبصق فيها، ووصيته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يغسله بسبع قرب منها حين وفاته، ونسبته البئر إليه بقوله “بئري”. ومن الأحاديث والأخبار الواردة عن هذه البئر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ من بئر الأغرسِ. ولابن زبالة قال: جاء أنس بن مالك بقباء فقال: أين بِئرُكُم هذه -يعني بئر غرس- فدللناه عليها. قال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءها وإنها لتُسنَى على حمارٍ بِسَحَرٍ (أي: يجر ناعورتها حمارٌ في آخر الليل)، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بدلوٍ من مائها فتوضَّأَ منه، ثم سكبه فيها فما نزفت بعدُ. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: ائتوني بماء من بئر غَرسٍ، فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرب منها ويتوضأ، وروى ابن شبة عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل من بئر سعد بن خيثمة يقال لها الغَرسُ بقباء. فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إذا أنا مِتُّ فاغسلوني بِسَبعِ قِرَبٍ من بئري بِئرِ غَرسٍ» وكانت بقباءَ، وكان يشرب منها. وفي رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “يا علي إذا أنا مت فاغسلوني من بئري بئر غرس بسبع قرب لم تحلل أوكيتهن”، ولابن شبة - عمر بن شبة النمري - أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر غرس فألقى بقية وضوئه فيها. وعن أبي جعفر أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- غُسِّلَ من بئر سعدِ بن خيثمةَ، بئرٍ كان يُستعذَبُ له منها. وعن محمد بن علي قال: شَرِبَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- منها وغُسِّلَ منها حين توفي. وعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب منها، وقال: «هي عين من عيون الجنة». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فانتهينا إلى بئر غرس، وإنه ليستقي منها على حمار، ثم يقوم عامة النهار ما يجد فيها ماء، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو، ورده فيها، فجاشت بالرواء. ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد عند بئر غرس: “رأيت الليلة كأني جالس على عين من عيون الجنة”. يعني بئر غرس. كما ورد أن رباحاً غلام النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقي من بئر غرس مرة، ومن بئر السقيا مرة. وعن عمر بن عبدالحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه”، وفي بعض تلك الروايات أقوال للمحدثين. أحد الآبار النبوية السبعة تعد بئر غرس، إحدى الآبار النبوية السبعة وهي: “أريس، وغرس، ورومة، وبئر حاء أو (بيرُحاء)، وبضاعة، والبصة، والعهن”، وتواترت الأحاديث النبوية في أهمية بئر غرس، ومما ذكره المؤرخون أن البئر كانت وسط الشجر وقد خربها السيل وطمها، وفيها ماء أخضر إلا أنه عذب طيب، وريحه الغالب عليه الأجون، وأن ذرعتها سبعة أذرع، منها ذراعان من ماء، وعرضها عشرة أذرع. وخربت بئر غرس، ولم تعد صالحة للشرب، وفي عام 700هـ/1301م، جددت وبعد 182 عاماً، اشترى السيد حسين بن الشهاب أحمد القاواني، ما حول البئر من حقول وأحاط البئر بسور، وصنع حديقة للنخيل، وأنشأ سلماً للنزول في البئر، وبنى مسجداً، وفتح طريقاً واسعاً للدخول إلى المسجد من الخارج، ثم وقفها للمارين وعابري السبيل، وظلت تلك الحديقة المذكورة عامرة. الزوار يحرصون على زيارة البئر يستقطب بئر غرس التاريخي العديد من الزائرين للاطلاع على هذا المكان الذي تم إعادة تأهيله وتطويره، إذ يعدّ أحد المعالم التاريخية والأثرية المرتبطة بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. وحظي “بئر غرس” بالعناية بوصفه معلماً تاريخياً بارزاً تم حفره قبل نحو 15 قرناً، وكان صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة السابق، قد دشن في نوفمبر عام 2022، اكتمال أعمال تطوير البئر، ضمن 8 مساجد ومواقع أثرية جرى صيانتها بعناية، وإعادة تأهيلها والمحافظة على طابعها المعماري، وجودة بنائها. ويتشكّل بناء البئر من الحجار البازلتية المطوية على جنبات البئر وسوره الخارجي التي تشتهر بها المدينة المنورة، وقد حفر البئر مالك بن النحاط، وهو جدّ الصحابي الجليل سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك النحاط الذي نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بداره عند قدومه إلى المدينة مهاجراً من مكة، وكان سعد بن خيثمة – رضي الله عنه - هو مالك البئر في ذلك الزمن. ويستقبل موقع البئر اليوم العديد من الزائرين والأهالي بعد اكتمال عمليات تطوير وترميم البئر، وإعادة إحيائها، إذ تم إحاطة سقف البئر بساتر حديدي مرتفع لحماية البئر ومرتادي المكان الذي يتضمّن مصلّى أثرياً محاذياً لموقع البئر. كما تحيط بالبئر ساحة مكسوة بالصخور الطبيعية، وسور بارتفاع مترين، وقد أعيد ضخّ المياه من البئر، وتوفير مصادر مياه من ماء البئر لسقيا الزوار الذين يتوافدون إلى موقع البئر لمشاهدة معالمه كأحد المواقع التي ارتبطت بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.