شهرزاد الحجاز

لمياء باعشن “شهرزاد الحجاز” لقب أطلقته عليها الكاتبة والناقدة “سهام القحطاني” وهي تستحق ذلك بجدارة. الصداقة شيء جميل في حياتنا وقد ثبت عبر دراسة حديثة قام بها مجموعة من الأطباء الأمريكان المختصين في علم النفس أن الإنسان ذو الصداقات المتعددة، يتمتع بقدر كبير من الحب والاهتمام من أصدقائه ويعيش عمرًا لأطول ممن ليست له صداقات، يقول ( ريتشاد كارلسون ) صاحب كتاب (لا تهتم فكل الأمور صغائر) وهو واحد من أكثر الكتب مبيعًا في العالم: (كل صباح بعد أن أستيقظ، أغلق عيني وأملأ رئتي بأنفاس عميقة. بعدها أسأل نفسي الآتي: إلى من أوجه حبي اليوم، وعلى الفور يظهر في مخيلتي شخص ما، أحد أفراد العائلة، أو صديق، أو زميل في العمل، أو شخص قابلته فيما مضى. بالنسبة لي لا يهم مطلقًا من هو الشخص لأن الفكرة هي أن أوجه عقلي اتجاه الحب. وبمجرد أن يتضح لي هذا الشخص أتمنى له ببساطة أن يمتلئ يومه بالحب..) وأنا من هنا أوجه حبي وإعجابي للصديقة الغالية الدكتورة (لمياء باعشن) الساحرة هكذا أُسميها، وأقول لها دائمًا (إن أنتِ إلا كبيرهم الذي علمهم السحر). أول مرة رأيتها في أحد الصالونات النسائية، الثقافية، فكان انطباعي عنها أنها متعجرفة، ومغرورة، ومتكبرة، ولم أُحاول التقرب منها، لكن ومن خلال اجتماعاتنا المتكررة في نادي جدة الأدبي، والمناسبات الأدبية، والثقافية، عرفتها تدريجيًا حتى أصبحنا أصدقاء، وجدتها تحمل قلبًا نقيًا، وفكرًا فلسفيًا راقيًا، تنحت الكلمة وتُبدع الفكر، وتذوب في التراث ككل وفي التراث الحجازي على وجه الخصوص، ذوبانًا إيجابيًا لتبتكر وتُبدع ، كيف لا وهي سيدة (التبات والنبات) ذلك المُؤلف الذي لو لم تكتب إلا هو لكفاها لتكون اسما خالدا في تدوين التراث. سيدة الكلمة الناقدة الجريئة، والرأي الصائب. شعارها الصراحة، والوضوح، مع الصرامة، والحزم، رومانسية لدرجة التعايش مع الجملة التي تستفزها، سواء كانت هذه الجملة شعرًا، أو نثرًا، أو لوحة فنية، فتغوص في أعماقها، تحليلًا وتعريةً. ولا تقبل القسمة على اثنين، إما أن تكون أو لا تكون. أُحبها واحترمها كثيرًا وإن كانت من النوع الذي لا يظهر عواطفه، إلا أنك تلمس هذا من خلال تصرفاتها، وسلوكها. نلتقي أنا وهي في عدم المزاجية عكس بقية الصديقات اللاتي تغلب عليهن المزاجية بشكل كبير.. تشاركني بالألم إذ ألحظ ذلك من تتبعها لي بالاتصال، خصوصًا في حالة المرض، سواء كنت أنا المريضة، أو أي عزيز علي، وكبرت محبتها وقدرها في عيني كثيرًا، من خلال موقف نبيل حدث في مؤتمر الأدباء الثالث بالرياض إذ ذهبنا للمؤتمر، وكنت مصابة بثلاثة كسور في ضلعي الأيمن للقفص الصدري، وفي اليوم الأخير ومع البرد في الرياض، طاب لي النوم ولم أحضر الفطور الجماعي معها ومع المشاركات من الصديقات فافتقدتني وبدأت بالاتصال عليّ وأنا لا أرد حتى عجَّ جوالي بالمكالمات، وفي حدود الساعة الثانية عشر ظهرًا بعد عدة اتصالات لها، استيقظت ورديت، وإذا بها قلقة للغاية، وخائفة أن يكون أصابني مكروه، وقالت لي لو لم تردي الآن لأتيت ومعي عامل الفندق ليفتح لي باب غرفتك.. منذ تلك اللحظة وأنا أرصد لمساتها الإنسانية، التي لا تُحصى، نبلاً، وكرما، ومحبة، غالبًا ما أتفق معها في رؤيتها النقدية ونادرًا ما أختلف، وتبقى في عيني سيدة النقد والتراث، واللطف والجمال.. * شاعرة صدر لها ديوان “للأعراس وجهها القمري”، و”سفر الغياب”.