عصر التنوير العربي الإسلامي يبدأ من هنا ...

نحن هنا في المملكة العربية السعودية كنا على موعد مع القدر حين قيض الله لإدارة الحكم الملك سلمان في فترة حرجة من عمر الزمن، تلك الفترة التي تنطوي على إحداث عظمى تتشكل في هذا العالم المتقلب الأحوال والمتسارع الأحداث، ومن حكمة الملك سلمان، توليته للأمير الشاب ذو الطموح والهمة العالية محمد بن سلمان لولاية العهد حيث انبعثت رؤية المملكة الاستراتيجية ٢٠٣٠ التي غيرت وجه المجتمع، وهيكلية المؤسسات البيروقراطية على حدٍ سواء، والتي ضمنت للملكة استقراراً ونمواً على الصعيد الداخلي وتناميا في دورها الإقليمي والعالمي. أقول إن تلك المتغيرات العظمى، ما هي الا إرهاصات « عصر التنوير العربي الإسلامي» الذي بدأت تتشكل ملامحه منذ إحداث ١١ سبتمبر ٢٠١١، التي بدأنا بها القرن الحادي والعشرين. « لكل شئٍ إذا ما تم نقصان.... فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دُوَلٌ ... من سره زمن سآته أزمانُ» قالها أبن الراوندي عام ١٢٦٧ م حين سقطت الأندلس، درة الحضارة العربية الإسلامية في جنوب أوروبا، حيث ألتقى خيال العربي وجديّة المسلم بالطبيعة الساحرة، وبنو حضارة عظيمة، ومن ثم دالت جذوة الحضارة إلى أممٍ أخرى، حتى آلت إلى الغرب وورثته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وتقطعت أوصال العالم العربي الإسلامي ونام الفكر في سبات عميق طيلة سبعة قرون، وتقدمت أوربا التي كانت غارقة في التخلف والحروب إبان ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، حتى وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين، الذي يُنبئ بقرب سقوط نظام الغرب القائم على الرأس المالية المتوحشة، التي تؤدي إلى زيادة الطبقة الفقيرة المعدمة، وتؤدي إلى تضخم رؤوس الأموال وتمركزها في يد القلة، والذي سيؤدي حتما إلى انهيار المنظومة القيّمية للمجتمعات مما يؤدي إلى تفكك الأنظمة وانهيارها بشكل تدريجي، وقد يكون الانهيار مفاجئ للأغلبية من الناس الذين لم يستشرفوا المستقبل وغرّهم الاستقرار النسبي للأحداث.! إن من ينكر قرب نهاية هيمنة الحضارة الغربية بفلسفتها المادية، لا يدرك أن جذوة الحضارة والتقدم تنتقل من أمة إلى أخرى، وأن أسباب التخلف والاندثار كامنة في كل حضارة مهما تقدمت واستقرت أمورها، وأن أسباب النهوض متاحة لكل الأمم، إذا ما توفرت لديهم الإرادتين الرسمية والشعبية، وأني لأجزم أن الإرادة الرسمية متوفرة لدينا، والدليل هو هذا التغير العظيم الذي بدأت بواكيره في ربيع عام ٢٠١٦ حين أعلنت رؤية المملكة الإستراتيجية ٢٠٣٠. بقي أن نستحث الإرادة الشعبية للمحافظة على هذا الكيان وتطويره لكي نصل إلى ٢٠٣٠ وما بعدها ونحن قد تجاوزنا مرحلة الاعتماد التقني والعلمي وبات لدينا مراكز أبحاث منتجة، تعمل على تطوير التقنيات، واختراع المستجدات والتجديد في الفكر والثقافة كي نتجاوز مرحلة السبات الحضاري، ونقود مع أخواننا العرب « عصر التنوير العربي الإسلامي» الذي أكاد أرى وقت بزوغه قريبا. هذه دعوة للشباب بإن يضعوا نصب أعينهم بأنهم وَرَثَةُ حضارة عظيمة، تستحق أن نبعثها من جديد، لكي نضرب مثلا يحتذى به بين الأمم. ولن تبعث تلك الحضارة مالم نُجددُ في الفكر ونبتكر أفكارا جديدة متسقة مع أسس حضارتنا، ومنقطعةً قطيعةً معرفية عن تراكمات الفكر في زمن الانحطاط الحضاري والفكري للأمة العربية الإسلامية، إنها معادلة صعبة أن يمارس الفكر القطيعة المعرفية مع التراث الخامل والتواصل مع التراث الحي مع المحافظة على اتصاله بالأسس التي بُنيت عليها حضارته، ولكن كلما صعبت المهمة كلما كان الناتج أعمق وأكثر نقاء، ونحن كعرب ومسلمين محظوظون بوجود نصٍ مقدس بلغتنا، أُختزلت فيه أعمدة الحكمة، وركائز الاتزان النفسي، هذا النص هو الذي يصلنا مباشرة بالأسس المعرفية التي بنيت عليها حضارتنا، والتي خولت أجدادانا بأن يقيموا تلك الإمبراطورية العظيمة التي امتدت من الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غرباً، وما زال الإسلام ينتشر، رغم ضُعف المسلمين وركود – إن لم اقل تخلف - نظامهم الفكري. إن الاتصال المباشر بين الفرد والنص القرآني المقدس من دون واسطة فهم مرتبطة بالزمان والمكان والأطر المعرفية التي كانت سائدة في الماضي، هو الكفيل بإيصال فكرنا المعاصر « المجدد» « التنويري» بجذوره المعرفية الأصيلة، وبهذا نكون قد جمعنا بين المعاصرة والأصالة.