من حيث انتهيت.. في سردية الزمن.

في سردية الزمن لا شيء مُطلقاً، كل خطوة هي جوهر لشيءٍ ما› لم يتبدَّ بعد، أسرفتُ في الاستعداد، وغاليتُ في حِراك الخطوة التالية، واستعجال الطريق، وتقلَّبتُ في دائرة المتاهة المعرفية، حائرة ومُناضلة، دون أن أسمح بأي ارتخاء أو تضليل… وكأن هذه الزاوية في لا وعيي مرفوضة منطقيًّا. بيدَ أني غفلتُ أن بعض الارتخاء معرفة، وبعض العودة إلى المتاهة تعمُّق وخبرة، بوصفها نتيجة تتجاوز فكرة الضياع المحدودة، وتتسع لتحتوي شيئًا أعظم، شيئًا تكتسبه روحي في حدود ذلك. لقد عرفتُ كثيرًا بعدما احتوتني دائرة الفراغ المعرفي مطولًا… وهذه المعرفة أثمنُ ما طالني، إذ منحتني ما يُعرَف بالتثمين الأبدي، الذي لا تهزُّه تحوّلات القدر: تثمين المعرفة، تتويج المراحل، تقدير المعطيات، تقديس مآلاتي في ظل كل ذلك. لم يكن انطلاقي في الحياة دائمًا يُوعَز إلى حدثٍ محدد، إنما إلى عتادِ رحلةٍ قيّمة، تقديرها في لحظاتها، وشخوصها، وسلوكها، ومخارجها، وانعطافاتها، واختباراتها، وجدارة كل عنصر فيها. إنه اتصالٌ لا نهائيٌّ في غمار ظروفٍ متشعّبة وتشاركيةٍ مجيدة، صنعت بقيّةً لدوائري المفقودة، وهندمت قطعًا مبعثرة لشكلٍ أحببتُ أن أكونه دائمًا في أعذب أحلامي. لم أَصِلْ لكماله بعد، ولم تعد عقبتي أن أصل… وحسب معرفتي الجيدة بالسَّكينة، فإن تأويلها الأعمق يكمن في كلِّ ما سبق، بوصفه التأثير العميق لكائنٍ مُلتحق بسردية الزمن، يبدأ من حيث انتهى، وينتهي مما بدأ، بتوقٍ شاعريٍّ لربح الجوهر، الذي يكمن في كل الأشياء، بدءًا بالخطوة، وصولًا إلى الأشخاص، والأزمنة، والأفعال، والأعمال، والنوايا، والطرق، والمسالك، والمداخل، والمخارج… عندئذٍ تمرّ الأيام، ولا شيء أثمن منها، وتنقلب الأيام، ولا شيء يعزز في داخلي الحنق منها، فكلها، تحت تأثير الجوهر، غدت مادّةً يستطرد فيها هذا الجسد الذي أرتديه، في محاولةٍ للتسليم، والرضا، والظفر بلحظةٍ خالدة، مقابل هذا الفناء الذي يطاردنا، ولن يبقى منه ومِنّا سوى تلك الحساسية المُرهفة تجاه الحياة، وكل محطة بعثتْ فينا روح الكاتب، والشاعر، والمُلهم، والمُحب، والمُمتن، والرفيق، والحريص، والإنسان في تشكيلته المُبدعة، كثمرةٍ لكلِّ اتصال يطمح بالتأثير في سرديات الزمن المتقلِّبة التي نطمح فيها بالحضور المستنير ولو من بعيد… أجيّش هذا الإدراك في منتصف الثلاثين، كبركةٍ أمنحُها لمَن أوردني المباهج، والبوصلة والمعرفة والاستنارة واليقين، حين لمستُ هيئةً لنفسي أحببتُ أن أصلَ لها منذ الطفولة… للمعالم التي تمتعتُ في كنفها ببركة نفسي، وبركة اللحظة، وبركة الإنسان في صورته المنيرة، بلا شروط ولا تضحيات. ففي حضرة ذلك، التقطتُ جوهر الوجود، في لحظةٍ تجانس فيها إحساسي بالخوف مع السلام، كأن الحياة توقفت هنا، حيث لن يُفصح شيءٌ آخر عن جوهري سوى حالتين: من الخوف والسلام، أو السلام والخوف… تتخافق عبر كياني مقدسةً الحقائق المطلقة التي لا تتثاءب في التواءات الزمن: قُدسية التأثير، وهَالة المعالم التي يتسربل في جوهرها ذلك، وتنقلات كياني عبر هذا الأثير، كتجربة وجودية لا تنتهي في دواخلي وإن انتهت في محطاتها: سنتبَارك أبدًا بمسلّماتها….