محمد الراجح..

من الملعب الى الميدان الاجتماعي.

أول لقاء لي مع الأستاذ محمد بن سالم بن راجح الراجح منتصف عام 1398هـ 1978م مع بداية عملي بمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بحائل، زارني وعرفني بنفسه وشرح لي شيئاً من تاريخ الرياضة بحائل، وتباسط معي إلى أبعد الحدود، وكان صريحاً للغاية حتى أنه ذكر أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب سبق أن أصدرت قراراً بمعاقبته لتعديه على أحد الحكام وسط الملعب، ومع ذلك ما زال فاعلاً في الوسطين الرياضي والاجتماعي وله دوره وكلمته.. واستمرت لقاءاتنا في المكتب والملعب أو عند إقامة النشاطات الثقافية والاجتماعية، أو زيارة ضيف مهم من خارج المنطقة. وعرفت أبا سالم عن قرب ولمست تقدير الآخرين له لمكانته الاجتماعية وخبرته الرياضية، وما يتحلى به من أخلاق فاضلة ومبادرات لما يتعلق بالشأن العام وبالذات ما يتعلق بحائل وتطورها. وكان له دور فعال في اللجان والجمعيات الخيرية، والفعاليات التي تتعلق بحائل وفي مقدمتها تأسيس الجمعية الخيرية عام 1399هـ، وكان اجتماع المؤسسين في مقر الإمارة أثناء وجود الشيخ ناصر بن عبدالله آل الشيخ القائم بعمل الامارة وقتها، وكان الراجح من المؤسسين، إضافة لجمعيات كثيرة وليس في محيط حائل بل كان له مشاركة فعالة في تأسيس الجمعية الخيرية لرعاية أيتام مكة المكرمة، وقد قدرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب واختارته عضواً بمجلس إدارة الاتحاد السعودي للسباحة. ولا أنسى دوره ومساندته لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ومشاركته في بعض أنشطتها، وكان لا يتردد في استقبال واستضافة من ندعوه من خارج حائل لمختلف النشاطات، وبالذات عند مرافقته لسمو الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله - عند زيارته لحائل وافتتاحه المركز الرياضي عام 1400هـ 1980م. وعند إعداد كتاب بالمناسبة اختير الراجح لكتابة (ملامح من تاريخ الرياضة بحائل) فعلى مدى 25 صفحة استعرض الرياضة بجميع جوانبها بدءاً بالألعاب الشعبية. فبدايات الرياضة الحديثة، فالتنظيم المبكر، ثم استعرض تاريخ تأسيس نادي الجبلين عام 1379هـ/ ونادي الطائي عام 1381هـ والأندية الأخرى، ودور إدارة التعليم والرياضة في المدارس.. الخ. بعد ثلاث سنوات انتقل عملي إلى المقر الرئيسي للرئاسة بالرياض واستمر تواصلي معه، وعند تقاعدي من العمل الرسمي، وتعاقدي مع مكتبة الملك فهد الوطنية، وبداية تسجيل التاريخ الشفوي، زرت حائل وكان أبو سالم من أوائل من حرصت على التسجيل معه، زرته بمقر الجمعية الخيرية بحائل بتاريخ 15/4/1418هـ وسجلت معه على مدى ساعتين تحدث عن سيرته العلمية والعملية وعن مشاركاته في العمل التطوعي، وعن الحركة الرياضية بشكل مفصل. وبعث موجزاً لسيرته بخط يده قال فيه: (ولدت ونشأت بمدينة حائل.. وتلقيت دراستي فيها.. وانشغلت بالنشاط الرياضي والاجتماعي مما أعاق مواصلة دراستي. إذ توقفت عند الثانوية العامة - أدبي. وقد ساهمت بتأسيس وتطوير نادي الجبلين، وانصرفت للعمل الرياضي ولعاً به واستجابة للمسؤوليات التي انيطت بي والثقة التي منحت لي منذ بواكير حياتي.. حيث تدرجت من لاعب وقائد للفريق إلى مدرب واداري ورئيس. ثم شدني العمل الاجتماعي الذي يتوافق مع طبيعتي وهوى نفسي في خدمة الناس، وإسداء المعروف، وبذل البر، وإشاعة الإحسان والفضيلة. فأسست الجمعية الخيرية وساهمت ببنائها وتطورها قرابة عشرين سنة عملت بها متطوعاً عضواً في مجلس الإدارة، وأميناً عاماً لها. والتحقت بالعمل الحكومي عام 1388هـ مراقباً للطلاب بالمعهد العلمي بحائل لمدة سنتين، ثم التحقت بدورة متوسطة بمعهد الإدارة العامة بالرياض وتأهلت لوظيفة مالية بوزارة المالية.. ثم انتقلت إلى كهرباء حائل فتقلبت بعدة وظائف رئيسية منها مساعد المدير العام إلى أن استقر بي المقام على وظيفة مدير العلاقات العامة بالإدارة نفسها. أما عن حياتي الاجتماعية فأنا متزوج منذ عام 1394هـ ورزقني الله بثمان بنات وولد.)) وأضاف: ((انغمست في العمل الاجتماعي واستغرقت فيه وانشغلت في الخدمة العامة وأخلصت لها ونذرت نفسي للنشاطات الاجتماعية القائمة على البر والتقوى. فاشتركت في عدد غير قليل من اللجان المحلية في المناسبات العامة، فإلى جانب نشاطي الرياضي والخيري.. ساهمت في تأسيس وتنظيم صندوق خدمات المنطقة الذي يستهدف القيام بالواجبات والمهام المطلوبة من الأهالي كالحفلات والاستقبالات والمناسبات وتكوين رابطة شعبية متلاحمة، واخترت عضواً في لجنة تسمية وترقيم الميادين والشوارع وعضواً في لجنة أصدقاء المرضى، ولجنة السياحة، وعدد آخر من اللجان، كما انتخبت عضواً وأميناً عاماً لمجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية لمدة ثلاث سنوات متطوعاً.. ثم استقلت منها. وساهمت بتأسيس شركة طي للتجارة والخدمات المحدودة. واخترت مؤسساً بجمعية مكة المكرمة لرعاية الأيتام)). وقد أصدرت لجنة النشاط الثقافي والاجتماعي بنادي الجبلين بحائل عام 1430 – 1431هـ كتاباً باسمه تكريماً له افتتح بـ ((عندما اختير محمد بن سالم الراجح ليكرم فلا غرابة في ذلك فهو أحد مفاتيح التفوق والنجاح في العمل الاجتماعي بالمنطقة، وأحد أعلامه المشهورين فلم لا وهو الرجل الذي كرس جل وقته من أجل حائل ومن أجل أهلها حتى تجد بصماته دونت في كل أركان هذه المدينة الحالمة الغالية على قلبه (حائل).. ولكوننا نحن أحببناه واحترمناه وقدرناه منذ عرفناه، أردنا أن نقدم له أسطر حملناها من محبيه لنضعها بين غلافين متواضعين تعبيراً لمشاعر ليست وليدة لحظة بل هي مشاعر امتدت واحتفظ بها الجميع منذ سنوات طويلة..)) . وبعد استعراض لسيرته الذاتية يبدأ الفصل الأهم (بأقلامهم) ويفتتحها أحد المحسنين المشهورين ورئيس هيئة أعضاء الشرف بنادي الجبلين الشيخ علي بن محمد الجميعة. تحت عنوان: (يد نظيفة ونفس عفيفة) ((.. عرفته منذ أربعين عاماً ابناً محبوباً في مجتمعه يتألم لألمه ويفرح لفرحه، وتعززه إلى ذلك الاستقامة التي تزكيه، والوطنية التي تؤهله، وحب الخير الذي يدفعه، وسلامة الهوى الذي يؤلمه، لا أفشي سراً إذا قلت إن محمد الراجح أسهم في فتح بيوت وإصلاح أسر وتنظيم مناسبات ودرء مفاسد، وهو يتصدى للعمل الخيري، شهدت معه مواقف ورأيت من خلاله حاجات، جعلتني أكبره في جيله واختصه بمودة الابن الأكبر والأخ الوفي والصديق الصادق..)). وقال نايف بن سعود آل علي: ((.. فقد بذل العزيز محمد الراجح أجمل سنين عمره وزهرة شبابه وأنفس وقته لهذا القطاع الاجتماعي الهام..)). أما مدير عام التربية والتعليم السابق ورئيس النادي الأدبي بحائل السابق الدكتور رشيد بن فهد العمرو فقال: (.. أنها مجموعة من السمات التي أهلت أبا سالم لأدوار قيادية. طموحه هو جدير بها فعلاً وربما تكون المنطلقات الأولى لأبي سالم في فتوته هي الأنشطة الرياضية.. ولكنه سريعاً ما يتجاوزها إلى آفاق أكثر رحابة وأعمق وأسمى مقاصد لقد بقيت الروح الرياضية بمعناها الإيجابي تسم تناوله وإدائه، كما بقيت جذوتها الحماسية وقوداً سحرياً لمبادراته..)). وقال الأستاذ عبدالله بن تركي البكر مساعد مدير التعليم السابق: ((... فقد عرفته صموتاً منذ صغره، صموتاً في كبره، غير مهذار، ملامحه توحي بالهيبة والوقار رغم صغر سنه واطالة صمته ليست عن عيي في عدم القدرة على النطق – حاشى لله- وإنما عن ثقل ورجاحة عقل ورزانته ولهذا جاءت تسميته (الراجح) اسم اللفظ على المسمى العقلي متطابقين..)). أما الأستاذ إبراهيم البليهي (رئيس بلدية حائل الأسبق) عضو مجلس الشورى فقال: ((أما محمد الراجح فقد كان من أزهد الناس بالظهور ومن أشدهم عزوفاً عن النفوذ وأبعدهم عن استغلال اسم المصلحة العامة لمصلحته الشخصية فهو رجل وطني حتى النخاع ونزيه إلى درجة الزهد فهو يحترق من أجل حائل ومن أجل الوطن عامة.. لاحظت أن محمد الراجح يكتب باليد اليسرى، ولكن بعناية فائقة جميل وترتيب صارم وأسلوب رفيع ولغة أنيقة..)). والأستاذ سعود الرباح القويعي مدير التربية والتعليم بمحافظة القويعية سابقاً يقول بحديث طويل بمقدمته: ((.. والله العظيم.. والله العظيم ولست مجبراً على القسم أو اليمين والله العظيم أيها القارئ الكريم أنه من أصعب ما طلب مني هو هذا الطلب المتمثل في المشاركة بكلمة عن هذا المكرم تمجيداً وعرفاناً له في هذه المطبوعة. مكرمنا هو هذا العملاق الحايلي.. عملاق في أخلاقه وفي تعامله.. عملاق في مروءته.. عملاق في كرمه وصفاء نفسه.. عملاق في أعماله الخيرية لحائل..)). وشارك في إبداء مشاعرهم وشهاداتهم عن المكرم كل من الأساتذة: منصور الخضيري، إبراهيم العلي، خالد العجيمي، عبدالله السعود البكر، عاشق الهذال، خالد السيف، عيسى الحليان، محمد الجار الله السويداء، محمد السيف، عبدالله المطلق، حمود الفداع، سعود الطرجم، فهد السلمان، نواف السبهان، سليمان العتيق، عبدالرحمن الجويره، عبدالرحمن الربيعان، عبدالله العجلان، سويلم السويلم، حمود السلوة، عثمان المجراد، خالد الحسين، عبدالرحمن الصمعان، صالح العفنان، سليمان المطير، سالم الراجح، محمد القشعمي. وارفق بالكتاب 36 وثيقة وشهادة وخطاب شكر. وكان وقتها يعاني بصبر من آلام نقل للمستشفى التخصصي بالرياض ثم نقل بالإخلاء الطبي إلى أمريكا على حساب الدولة حيث انتقل إلى رحمة الله بتاريخ 20 ديسمبر 2014م فنقل إلى المملكة ودفن بحائل رحمه الله.