التشكيلي العراقي رافع جاسم ..

ستون عاماً من اللون .

يعد الفنان التشكيلي رافع جاسم من جيل ما بعد الفنانين الرواد العراقيين، وقد شكل، باسلوبه المتميز، لبنة متبلورة وشاخصة في صرح الفن العراقي المعاصر، إذ بدأ مسيرته الإبداعية مبكراً، منذ بداية الخمسينيات من خلال مشاركاته المكثفة والمتواصلة في المعارض المحلية والخارجية. بدأ أول خطوة له نحو إحتراف فن الرسم وهو ما زال طالباً، شاهده ملك العراق فيصل الثاني عام 1955، في المعرض الذي أقيم في المركز الإجتماعي في منطقة تل محمد، ببغداد، حيث قرر إرساله إلى الهند للإطلاع على منمنمات الفن الهندي والديكور الجداري عن كثب، والإستفادة منها. وفي العام 1962، عين في دائرة الإذاعة والتلفزيون، مصمماً للديكور ورساماً. وفي العام 1966، أرسل في دورة إلى مصر بمعهد التدريب التلفزيوني العربي، ونال درجة الإمتياز على المشاركين من جميع أنحاء الوطن العربي، كما أسهم في تأسيس قسم الديكور في ليبيا العام 1969، وأنتدب معهم لمدة سنة واحدة. وتتميز أعمال الفنان رافع جاسم، بشكل عام، بهيمنة اللونين الأصفر والبرتقالي على مجمل سطح ومفردات موضوعاته، متمتعة بخصوصية الإستفادة الكلية من عملية إنعكاس الضوء والظل عليهما مع بعضهما لإبراز زوايا المكان وتحديد الزمان، فهو منذ سنين طويلة يشتغل على هذا المنوال، متلذذاً بصياغة التفنن بجمالية الضوء والظل ومساقطهما على الأشياء البارزة والكتل المتنوعة، فهذان المتضادان المتلازمان يكمل جمالهما الآخر، قد شغل فعلاً حياة وتأمل الفنان رافع جاسم. وبذلك قد رسم هوية إسلوبه الواضح، وأصبحت البصمة الشخصية في تقديم أعماله الفنية، فضلاً عن انه قد أستمد من البيئة البغدادية، حيث بيوتاتها وأزقتها.. حياتها اليومية، مقاهيها، أسواقها، فلكلورها، ألعاب أطفالها... كما استلهم بكثرة مشاهد خيالية من واقع أهوار جنوب العراق الجميلة، بألوانها الشرقية الرائعة، وقد رسم من ذلك عشرات اللوحات الإجتماعية والسياسية الرائعة. لكن رافع جاسم سيخط لمصيره الفني، مع فن الرسم العمل في قسم التصميم "الديكور" في تلفزيون بغداد، فقد كانت العلاقة بين الهندسة والشغف بالألوان قد صاغها ببناء أشكاله الجدلية بين شاعرية الرسم ودراما المسرح بما يتضمنه من مضامين فكرية ذات صلة بالإتجاه التركيبي، وتوحيد تنوعها برؤيته المعمارية والرمزية المستمدة من البيئة العراقية، الأمر الذي سمح له أن يجد مصيره في الفن وفي الوقت نفسه أن يتشبث بالرسم، بالرغم من تعرضه إلى خلل في "بصره" كاد يعزله عن عالم الألوان وجماليات التصوير، لكن رهافته وإرادته وصبره تحولت في ذلك المأزق إلى إصرار نادر بإستكمال مشروعه الإبداعي فكان يرسم بذاكرة بصرية مستعادة وديناميكية ومتخفية منحت نصوصه الفنية عالماً متفرداً زاخراً بالأصوات والعلاقات والعلامات برهنت بإنحيازها لخطابه الفني وخصائصه المتفردة بعيداً عن موجة محاكاة النماذج المستعارة أو إستنساخها. رسم كم هائل من اللوحات وجميعها مقتناة داخل العراق وفي العديد من بلدان العالم، فضلاً عن رسم مئات التصاميم لبرامج التلفزيون في العراق وخارجه والكثير من الفقرات المنوعات التلفزيونية من برامج ثقافية ومنوعات ومسـلسلات درامية. لقد كانت مسيرته الفنية عبر أكثر من ستين عاماً تحدياً وتمسكاً بأكثر الأدوات رهافة حساسية في فن الرسم والتوغل عشقاً في عالمه الفسيح. وبهذا يكون رافع جاسم قد برهن أن الفن وحده كما هو لغز القلب لا يعرفان الدحض ولا الموت وأنهما سيقترنان بهوية الفنان وبتدشيناته الدائمة. لقد استفاد كثيراً من تجربته بمجال الديكور حيث وظفت اغلب أعماله التصميمية ونقلتها إلى اللوحة التشكيلية، وهنا لا بد من القول بان الاستفادة جاءت من واقع عمله من تجربته الطويلة في التلفزيون كمصمم للديكور، فمثلاً (الكالوس) وهو عبارة عن قطعة تشكل احد أجزاء الديكور وتأتي هذه القطعة أما بشكل عمودي أو قائم أو مستطيل بالنسبة للعمل التلفزيوني، فهو ينقل هذا الكالوس إلى لوحاته التعبيرية التي رسمها ولكن ليس بنفس الإشكال التي ذكرتها بل اتخذها أما شكلاً يملأ المساحات في اللوحة، أو (كفكر)، وغيرها من هذه الأساليب التي استفاد منها. ورغم الحالة الصحية الصعبة التي يعاني منها الفنان رافع جاسم، حيث فقد بصره بنسبة 90 بالمئة وكذلك خانته قدماه في المشي، فانه متفائل جداً، قائلاً: "سأظل أرسم إلى آخر رمق في حياتي". الفنان في سطور: مواليد بغداد العام 1939، شارك في أول معرض للرسوم مع مجموعة من صفوف مدرسته الناشئين وذلك العام 1955 في المركز الإجتماعي في بغداد وكذلك العام 1956، ثم مارس نشاطه الفني على يد الأستاذ خليل العزاوي مدرس الرسم في المتوسطة الغربية والذي كان رئيسا لقسم الديكور أيضا. نال وسام تقدير من تلفزيون العراق في مجال الديكور العام 1976 وحصل على شهادة الابداع التلفزيوني في مجال الديكور ايضا من المهرجان الاول لتلفزيون العراق في العام 2000 كما حصل على عدة شهادات تقديرية في مجال الفن التشكيلي ونال الجائزة الثانية من معرض الفن العراقي المعاصر العام 2000 ايضا وسام الفن من نقابة الفنانين. اقام أثنا عشر معرضا شخصيا ومعرضين مشتركين من الفنانة نجاة حداد أقيمت في المركز الثقافي الألماني 1968-1969 ومعرض على قاعة الارشاد في البصرة العام 1969 وجمعية الفنانين التشكيليين العام 1971، والمركز الثقافي الفرنسي العام 1974 ونادي العلوية للاعوام 1976_1977_1978_1979، وفي قاعة كولبنكيان وعلى قاعة منتدى الفنانين في التأميم العام 1984 وعلى قاعة الرواق العام 1992 وعلى قاعة العلوية للفنون العام 1994. وكان أخر معرض شخصي له العام 2017، على قاعة دائرة الفنون. عضو في كل من جمعية التشكيليين ونقابة الفنانين العراقيين.