الكرسى

انتشر الخبر فى الإدارة فوراً (رمضان الصاوي ضُبط متلبساً بالسرقة).. الكل رفض التصديق. قالوا: محال، الرجل شب وشاب على الإستقامة، ربى أولاده عليها، ثم إنه بعد أشهر قليلة سيخرج إلى المعاش، فكيف يلوّث سمعته الآن؟ قال العالمون ببواطن الأمور: - بل سرق، الأمن ضبطه وهو يخرج من الباب الرئيسي في عز النهار. سأل أحد المتطفلين: ماهي المسروقات؟ قيل: كرسي رئيس مجلي الإدارة! ... حينما سُئل الأستاذ حامد رئيس مجلس الإدارة الجديد فى هذا قال: - رمضان لم يشد انتباهي ..لا أعرفه..وبالتالي لا أملك الحكم عليه ..هو رجل ينظف المكتب في غيابي ،يجلس أمام الباب في وجودي ،يحضر المشروبات إذا طلبتها ،غير هذا لا أعرف عنه شيئاً. سأله المحقق: هل ترى أن نتغاضى عن فعلته ؟ أشاح بيده في لامبالاة ظاهرة: أمره متروك لكم. ... بسؤال الأستاذ صالح الرئيس السابق لمجلس الإدارة أثنى على رمضان، قال إنه طيب القلب، بسيط ، لم ير منه طوال عشرته الطويلة معه إلا وجهاً باسما ً وعينين راضيتين . قيل له: ماذا فعلت حينما أتى إليك بالكرسي؟ قال بحماس واضح: رددته فوراً سئل ثانية : ولماذا أخذ الكرسى أصلاً وأتى به إليك ؟ أجاب وقد تغير وجهه: اسألوه في هذا. ... نظر المحقق إلى رمضان مدققاً ،فحصه من أسفل إلى أعلى ..يرتدى جلباباً أزرق اللون، يتعثر فى مشيته بقامته القصيرة، أسمر اللون، منبسط الأسارير، أشيب شعر اللحية والرأس، تملأ الأخاديد وجهه ..أشار إليه بالجلوس ..سأله عن أمره ..قال : - الأستاذ صالح عزيز علّي..رجل متواضع وسلوكه طيب ..تأثرت كثيراً لفراقه .. سمعت إنه حزن جداً لأنه ترك الكرسي ..صار ضعيفاً ..بائساً ..طاعناً في السن ..هو الذي كان قبل أن يفقد الكرسي سليماً، مرفوع الهامة، مفرود الصدر، باسم الوجه..عرفت أن سبب هذا هو الكرسي ، وأنه بدونه جرى له ما جرى ..أخذت الكرسي إليه ..هو بحاجة له ..رئيس المجلس الجديد يستطيع أن يطلب غيره . تبسم المحقق، سأله وهو يتابع تعبيرات وجهه: - لكنه رفضه ياعم رمضان عبست أساريره واندفع قائلاً: وهذا ما يحيرنى! ... أصدر الأستاذ حامد رئيس مجلس الإدارة الجديد حينما علم بحقيقة الأمر قراراً بصرف مكافأة للعامل رمضان الصاوي لأمانته وحفظه للعهد، واستقبله في مكتبه مثنياً على مشاعره الطيبة، وإن كان قد لفت نظره باسماً ألا يكرر سرقة الكرسي ثانية.