عابرُ في لينكد إن

في مجتمع «لينكد إن»، والتي تصنف كشبكة تواصل مهنية حين تدخل لأول مرة وتنشر منشورًا، تشعر وكأنك غريب، وكأن كلماتك تطل بخجل مهما بدت بليغة. ترى الناس والملامح من حولك، لكنك لا تعرف معظمهم. صفحات مشرقة بالإنجازات، مشاريع، دورات، ورش عمل، والأهم من ذلك: أيقونات تحمل عروض وظائف من شركات حول العالم قد لا تعرف أكثرها. كأنك دخلت مدينة أو قرية ليست تلك التي نشأت فيها، أو كأنك عابر طريق توقف في محطة مكتظة، لا يعرف فيها أحد أحدًا. ذلك الشعور لا يزال يلازمني مع أول دخولي إلى هذه المنصة، رغم أن بعض الوجوه باتت مألوفة، والثقافة واحدة، والمجتمع متقارب في أفكاره ورؤاه وهمومه. لكن هذه هي طبيعة المجتمعات الافتراضية؛ «لينكد إن»، وغيرها، تمنحك شعورًا ظاهريًا بأنك تملك كل شيء، بينما الواقع مختلف تمامًا. فما يدور حولك مجرد أسماء، وإيميلات، وصفحات، يقبع أصحابها خلف شاشاتهم الذكية. حتى وإن تقاطعت المصالح، وقرّبت الرسائل بعض المسافة، وتحققت الفائدة؛ يظل ذلك الشعور بالوحدة صعب الزوال في الأيام الأولى، ما لم تؤسس لنفسك مجتمعًا واقعيًا أكثر قربًا، تعرفه ويعرفك، وتأنس به ويأنس بك. ولا بأس حينها أن تكون تلك المجتمعات الافتراضية أشبه بصناديق بريد بينكم. ولا يمكن أن يشبه شعورك وأنت تتعالق مع ذلك المجتمع الرقمي، ذات الشعور مع زملائك في العمل أو حين تتعرّف على مجتمع جديد في رحلة من رحلاتك، تُحادثه، وتتشارك معه طعامًا أو حديثًا عابرًا، أو حتى حين تلتقي شخصًا في طريقك، ويترك فيك بصمة لا تُنسى. تلك الشاشات الصغيرة، بمختلف أيقوناتها، التي اقتحمت حياتنا، وقربت البعيد، وجعلت المعلومات تترى من كل مكان حولنا، ستظل على مستوى المشاعر مجرد شاشة؛ لن يبلغ تأثيرها ما يحدث حين نلتقي وجهًا لوجه، وتنتقل بيننا حرارة الكلام، وصوت الحضور الحقيقي. في «لينكد إن» وغيره، قد تكتب وتقرأ وتتواصل، لكنك تظل غريبًا ما لم تمنح وجودك روحًا تشبهك، وتبحث عن المعنى خلف كل اتصال. فالغربة ليست في المكان، بل في غياب الأُنس، حتى وسط شبكة مزدحمة. ورغم ما تتيحه المجتمعات الافتراضية من فرص، تبقى مجرد إطار رقمي لا يعوّض حضورًا حقيقيًا.