ذرّة جنون

لولا ستر الله علينا لخرجنا للناس مليئين بالثقوب والتشوهات، لكن الله حليم ستار، فإذا كانت العيوب الخُلقية والخَلقية لا ينفر الله منّا بسببها، بل هي ابتلاء واختبار، ليرى إن كنّا نصبر على تشوه الأجساد ونتوب من تشوه الأخلاق، فما بالنا بالنفس البشرية هي الأخرى تتعب، تتوجع، تمرض، ولا حرج في ذلك، ولكن الخطأ كل الخطأ أن نهملها ونتجاهل نداءاتها لنا بأن نفهمها، نُراعيها، نُريحها، ونُبعدها عمّا يُكدرها. ومهما قيل فإن هذا لا يعطيك الحق بأن تنكر ذاتك فأنت في كل الحالات بــــــــشر تحب وتكره، تمرض وتتعافى، تُـقدم ساعات وتملّ ساعات، يعلو نجمك ويخبو أوقات، لاتقف أمام المسميات وأنصف ذاتك، لا تُجردها من حقها في الحياة، أنت مؤمن لو تعبت روحك تريحها بالصلاة والدعاء، بالصدقة والذكر والطاعات، فعلك للخير لا يذهب سُدى عند الله. فلا تضق ذرعاً من أحاديثهم ونعتهم لك بالجنون، أنت مُدرك لما حولك بكامل وعيك وثقلك، من يتمالك اعصابه حين الغضب عاقل، من يلزم الصمت عندما يسمع كلام جارح عاقل، من يهتم بصلاته وتلاوة قرآنه رغم كل المغريات والملهيات من حوله هو عاقل، من يهتم بشأن والديه ومجتمعه ويؤدي عمله بضمير هو بالعشرة والألف عاقل، من يعترف بأن ثمة ضغوطات تواجهه ويرغب بشدة تجاوزها هو رغم أنف كتب الطب عاقل. الإحساس، الشعور، حب الآخرين، الرغبة العميقة بمد يد العون لهم ومساعدتهم دليل على الوعي والاتزان، أما الجنــــــــون فليس بتهمة نشمئز منها، ومن منّا لا يخالط عقله (ذرةً من الجنون) بالعكس نُحبّ هذه الذرة ونسعى لاكتشافها فينا، وممارسة شيئاً من بشريتنا معها، مسحة مرح شفافة نُـداري بها أوجاعنا، نخرج فيها عن المألوف ونعود لصوابنا، ذرة تحلّي أيامنا وتبعد عنّا أفكارنا الصاخبة وإيقاع الحياة الممل. جنــــــــــــون أم شيطنة سمّها ما شئت، أنا وأنتَ وأنتِ والجميــع في نهايتنا بشــــــــر فلماذا نعجب أن يمسّنا السوء ويعتّل فينا البدن وتتعب الروح !