الذكاء الاصطناعي .. آفاق ومخاوف

يُعتبر الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) أحد المجالات التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة، التي بدأت بوادرها في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وبخلاف الثورة الصناعية الأولى التي اعتمدت على الماء وقوّة البُخار لمكننة الإنتاج، والثانية التي استغلّت الطاقة الكهربائية من أجل الإنتاج بكميّات أكبر وعلى نطاق أوسع، والثالثة التي استخدمت الإليكترونيات وتقنية المعلومات لتحويل حركة العمل لإنتاجٍ يتمّ بصورة آلية؛ تأتي الثورة الصناعية الرابعة لتتميّز بكونها ثورة رقمية تمزج بين التقنيات المتعدّدة، ودمج المجالات المادية والرقمية والحيوية. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي في هذه الأيام واقعاً مُعاشاً، بعد أن كان مُجرّد خيال علميّ، نُتابعه بشغَفٍ عبر شاشات «هوليود» الشهيرة، والتي صوّرتْ الآلات الخارقة وهي تتمتّع بدرجاتٍ عالية من الذكاء، تتفوّق على ذكاء الإنسان وأفعاله، ولكنها تخلو من مشاعره الجيّاشة. ويُمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه: قُدرة الآلة على تقليد ومُحاكاة العمليّات الحركية والذهنية للإنسان وطريقة عمل عقله؛ مثل قُدرته على التفكير والاستنتاج والردّ والاكتشاف، والاستفادة من التجارب السابقة، وردود الفِعل الذكية على أوضاعٍ لم تُبرمج داخل الآلة. ويُمكن كذلك القول بأن أول ظهور فِعليّ للذكاء الاصطناعي بشكل رسميّ، كان في كليّة «دارتماوث» بالولايات المتحدّة في عام 1956 على يد بعض العُلماء. وقد شهِدتْ فترة مُنتصف الثمانينيات تطوّراً كبيراً، من خلال ما يُسمّى «بالنُّظم الخبيرة وهي نُظم حاسوبية تُحاكي قُدرات وخبرات البشر في اتّخاذ القرارات، ومع التقدّم التّقني المُستمرّ ظهرت حواسيب قادرة على التعلّم ومُعالجة المشاكل بصورة ذاتية. وفي العام 1997، هزم الحاسوب الإنسان لأول مرّة في لُعبة الشطرنج، وكان هذا العام مؤشّراً واضحاً على ظهور مفهوم الذكاء الاصطناعي بشكل تجاري، حيث قامت شركة «آي بي إم» بتطوير نظام «ديب بلو»، والذي أدّى إلى هزيمة بطل اللعبة المعروف «غاري كاسباروف». وقد حقّق الذكاء الاصطناعي نجاحات هائلة في بدايات الألفيّة الثالثة، حيث جرى استخدامه في استخراج البيانات، والخدمات اللوجستية، وصناعة التقنية، والتشخيص الطبّي، وأنظمة السلامة في السيارات، والسيارات ذاتيّة القيادة، وأجهزة الاتّصال الذكية. ويتمّ حاليّاً استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من مجالات الحياة؛ منها القُدرة على التعلّم، وتنظيم العلوم وفهمها، وتمييز الأصوات، وتحليل الصّوَر والتعرّف على أصحابها، وأنظمة الرؤية، ومُعالجة اللّغات الطبيعية، وفي عمليات تداول الأسهم والبورصات، والتحكّم الآلي، وألعاب الفيديو، ومُحرّكات البحث.. وغيرها. ومع مرور الوقت، وتطوّر الذكاء الاصطناعي، فإنه سيتمّ الاستغناء تدريجياً عن العقل البشري في العديد من الوظائف العملية، وفي مجال الخدمات؛ وذلك لسُرعة الإنجاز المتوقّع من وسائل الذكاء الاصطناعي، بدون أي أخطاء مُحتملة قد يقع البشر فيها أثناء قيامهم بهذه الوظائف. وهذه إحدى المخاوف التي حذّر منها بعض العُلماء، ومنهم عالِم الفيزياء البريطاني الشهير «ستيفن هوكينج «، الذي عبّر عن قلقه من أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ البشر، واصفاً إياه بأنه أسوأ شيء يُمكن أن يحدث للبشرية من أيّ وقت مضى. وأعلن المؤسّس والرئيس السابق لشركة «مايكروسوفت «بيل غيتس» عن رغبته في الحدّ من ذكاء الروبوتات، إذ قال: «أنا في مُعسكر من يشعرون بالقلق إزاء الذكاء الخارق»! أما «إيلون ماسك»، مالك شركة «تيسلا»، ومنصّة «إكس»، فقد حذّر من مواصلة الإنسان إنتاج روبوتات اصطناعية، وقال: «إن الذكاء الاصطناعي أخطر على البشرية من القنابل النووية»! وربّما كانت هذه المخاوف مُبالغاً فيها، ويعود جزء من أسبابها إلى ارتياب الناس من كلّ ما هو جديد وغريب وغامض بالنسبة إليهم، والجزء الآخر بسبب أفلام «هوليوود» التي أكّدتْ لمُشاهديها على مدار قرنٍ من الزمان، أن الذكاء الاصطناعي سيكتسب قوّة جبّارة، وسيغضب ويُدمّر كلّ شيء في طريقه؛ وهي أفلام اشتهرت في الوعي الإنساني، مثل: «ترمنيتور» و»حرب النجوم» و»ماتريكس» وغيرها. إلا أن هناك، وعلى الجانب الآخر، بعض الخُبراء الذين يرون أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتسبّب في أيّ مخاطر على الجنس البشري، ومن هؤلاء أستاذ علم الحاسوب في جامعة مونتريال الكندية «يوشوا بينجيو»، الذي يرى أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات طويلة من التطوّر البطيء والتدريجي، قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه بعض المُحلّلين.