عبد الله النعيم الأب المتبنِّي.
قال لي سائق سيارة الأجرة الذي أقلَّني إلى مبنى كليَّة الهندسة حيث ابتدأتُ الدراسة في قسم العمارة قائلاً: “الرياض جاها أمين جديد اليوم” وذكر اسم عبد الله النعيم. وبعد ذلك بأيَّام وفي مكتب عميد كليَّة التجارة بجامعة الملك سعود، الدكتور أسامة عبد الرحمن الذي قصدته لأمرٍ خاص، التقيتُ أستاذًا وقورًا بادرني حين عرف أنِّي في كليَّة الهندسة بقوله: “شد حيلك ولك مكان في أمانة الرياض”. عرفت فيما بعد أن ذلك كان الدكتور عبد العزيز النعيم شقيق الأمين عبد الله النعيم. لم تكن الأمانة في تفكيري وقتها ولم يخطر ببالي أن تقودني الأيام يومًا إلى العمل أو التعامل معها ومع أمينها “الجديد” عبد الله النعيم. يشاء الله أن ألتحق بمكتب مشروع وزارة الخارجيَّة وحي السفارات، وعن قربٍ تشرَّفت بحضور اجتماعات اللجنة التنفيذيَّة للمشروع برئاسة سمو أمير منطقة الرياض آنذاك الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، وأحيانًا برئاسة سمو نائبه الأمير سطام بن عبد العزيز رحمه الله. وكمعماريٍّ شابٍّ كانت هيبة الحاضرين تضفي عليه حذرًا حين تقديم العروض، كان هناك عبد الله النعيم يمدُّ يده مشجِّعًا ولسانه موجِّها. وكبرتُ وظلَّت مسافة التقدير بيني وبين عبد الله النعيم، وتحوَّلت العلاقة كما أرادها هو إلى زمالة عملٍ أرخى عليها عطفه وبُعد نظره في ظلِّ المنافسة الهادئة بين مركز المشاريع والتخطيط وأمانة مدينة الرياض. وحين غادرت موقعي في المركز سعدتُ بالعمل مع معهد إنماء المدن على بعض المؤتمرات وحضرت بعضها في ظلِّ براعة عبد الله النعيم في جذب قبول الممثِّلين العرب رغم كثيرٍ من الاختلاف بين دولهم. كان يُلقي جانب السنِّ جانبً ويعامِل كلَّ فردٍ من الحاضرين وكأنَّه الأحظى باهتمامه ممَّا أكسبه احترامًا غير مصطنع وودًّا غير منقطعٍ مفضَّلاً مخاطبته بـ “أبو علي” دون أيَّة ألقاب. وكان يكسر رسميَّة بعض المناسبات بروحه المرحة التي أبدت سعة ثقافته العامَّة. قلت روحه المرحة! نعم، تلك الروح كانت تنقذ من بعض التوجُّهات وتُوجِّه نحو القرار الصحيح. في اجتماع لجنة منتزه الثمامة البرِّي أصر وكيل وزارة الزِّراعة والمياه وقتها على أن يكون الجزء الخاص بالوزارة والمتعلِّق بالمنتزه الوطني ممتدًّا أفقيًّا مما يعطيه الإطلالة كاملةً على الطريق. وإذ جعلَ عذر ذلك حاجة الحيوانات البريَّة بادره عبد الله النعيم بقوله “الأسد ما يحتاج يمشي على الشارع”. وبعد ابتساماتٍ عاد النقاش إلى المنطقيَّة وتم التوزيع بشكل أصح. وفي إحدى المرِّات وقبيل اجتماعٍ لإحدى اللجان أبدى أحد أعضائها انتقادًا لأحد الأشكال الجماليَّة ووجَّه حدَّة رأيه للأمين الذي بادره باتفاقه معه، وضحك الجميع وأكَّد هو أنَّه فعلَ ذلك استجابةً للضغوط المجتمعيةَّ التي أرادَت من مدينة الرياض منافسة مدينة جدَّة في نصب الأشكال الجماليَّة، فيما كان يرى هو أن النخلة أجمل من أيِّ شكلٍ جمالي. صادف جلوسي ذات يوم قريبًا من عبد الله النعيم وهو يتحادث مع مدير عام مكتب مشروع وزارة الخارجيَّة وحي السفارات. وحين اكتشف عبد الله النعيم أنَّ نظام المكتب وقتها لا يتعامل مع نظام الخدمة المدنيَّة ولا التأمينات الاجتماعيَّة أبدى رأيًا مؤكِّدًا على أهميَّة حصول هؤلاء الشباب على ضمانةٍ لهم وهو ما تمَّ بعد سنوات. تلك الرُّوح الأبويَّة من عبد الله النعيم تجلَّت مراتٍ ومراتٍ لعلَّ منها مبادرته إلى تقديم منح أراضٍ للمهندسين الشباب في مكتب المشروع دون طلبٍ منهم، ولكن بإحساسٍ منه. ذاكان الجميلان ظلَّا وسيظلَّان في نفسي وزملائي، وسيبقى شكره بالدعاء له. هذه الكلمات محاولة شكرٍ لتلك الرُّوح على أبويَّتها، وتفاديتُ عمدًا الحديث عمَّا أسهب فيه غيري ربَّما بإحسانٍ أكبر عن جهود عبد الله النعيم في تنمية مدينة الرياض وفي مجالاتٍ أخرى. وأجد أنَّ من أجمل عبارات التقدير لعبد الله النعيم قول الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز، في اللقاء السنويِّ التاسع للجمعيَّة السعوديَّة لعلوم العمران في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات بمركز الملك عبد العزيز التاريخي بمدينة الرياض في 24/11/1420هـ: “الأخ عبد الله النعيم. وكان لمرونته كذلك أثر كبير في تسهيل كثير من الأعمال، الحقيقة، والتعقيب على كثيرٍ من الأمور. كان يروح بنفسه للدوائر يعقِّب في كل محل، يعني يشتغل أمين مدينة الرياض ومعقِّب في نفس الوقت”. رحمك الله يا.. أبا علي.