صادف يوم الجمعة 13 ديسمبر 2024م اختتام “دورة أساسيات القيادة في طب الطوارئ”، وقد جاء نص الخبر في موقع شركة الصحة القابضة على النحو التالي: “ضمن سعينا لتطوير كوادر القطاع الصحي، نختتم اليوم دورة “أساسيات القيادة في طب الطوارئ” بمشاركة أكبر عدد متدربين في تاريخها، وذلك بحضور معالي الوزير رئيس مجلس إدارة “الصحة_القابضة” وبالتعاون مع معهد القيادة في أقسام الطوارئ الدولية (IEDLI) وشراكة فعّالة مع ماس جينرال بريغهام.” ولا يسع المراقب المُجَرَّد من المقاصد سوى ما يخدم المصلحة العامة للوطن والمواطن، إلا أن يتلمس الجوانب المشرقة في مسيرة هذه الشركة لتحقيق ما التزمت به تجاه الدولة والمواطن من قيم وأهداف. لا شك أن “الصحة القابضة” تتحرك ضمن الإطار الذي وضعه تنظيم المدن الطبية والمستشفيات التخصصية التابعة لوزارة الصحة الصادر عن هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بتاريخ 1435/05/23 هـ، وعلى وجه الخصوص ما جاء في المادة العاشرة منه: مع مراعاة ما للمجلس وما للوزير من صلاحيات، تتمتع المدن الطبية والمستشفيات التخصصية بالاستقلال وفقاً لما يأتي : 1. يكون لكل مدينة طبية ومستشفى تخصصي ميزانية تشغيلية سنوية خاصة ضمن ميزانية الوزارة. 2. تتكون موارد كل مدينة طبية ومستشفى تخصصي مما يأتي: أ - الاعتمادات التي تخصص لها في ميزانية الدولة. ب - الهبات والإعانات والمنح والوصايا والأوقاف التي يقبلها كل منها وفقاً للقواعد التي يضعها المجلس. ج - موارد علاج من ليس لهم أهلية علاج بناءً على الضوابط المنظمة لأهلية العلاج وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك. د - ريع أملاك كل مدينة طبية أو مستشفى تخصصي، إن وجدت. هـ - أي مورد آخر يقرر المجلس إضافته. وعلى وقع هذه الأحرف الوضَّاءة تفاعل بعض أبناء المجتمع بين مبتهج ومرتهج: الأول لما تحْمِلُه البنود من بشائر بازدهار الرعاية الصحية في المناطق التي تضم مدنًا طبية، أما الثاني فقد أشكل عليه وضوح الرؤية تحت وطأة النَّقع المُرْهِج عند المعايشة الفعلية، وذلك إثر ما انتشرت في المنطقة التي يقطنها من الخلق جمع غفير، مقولة سَرَت بها الركبان ، منطوقها مقتبس من القرآن الكريم “ضَعُفَ الطالبُ والمطلوب”. المقولة نطق بها أحد المرضى ممن أحوجتهم الظروف لمراجعة قسم الطوارئ في إحدى المدن الطبية. وإليك عزيزي القارئ السياق الذي قيلت فيه كما كتبها من عايش فصولها: يا مدينة الملك عبد الله الطبية بمكة المكرمة: هل ترضين أن يقال في حقك: “ضَعُفَ الطالبُ والمطلوب”؟ عندما أُنشئت مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة عام (1428هـ)، على يد معالي الدكتور عبد الله الربيعة وبمساعدة رجال أكفاء حوله، استبشر أهل مكة بخدمة صحية مميزة تقدَّم لهم ولزوار البلد الحرام من حجاج ومعتمرين. وتمر سنوات بعد انصرام ذلك الأوج، وإذا بالآمال العريضة تخبو تدريجيًّا تحت وطأة مركزية القرار وشح الموارد عند مرورها عبر صانعي القرار في الوزارة، من بين ذلك قيام مدينة الملك عبدالله الطبية بإلغاء عقود الأطباء البدلاء (اللوكم) والمستشارين في أوج أعمال الحج في إحدى السنوات، لأنها - أي المدينة - أخفقت في انتزاع تعزيز لبند رواتبهم من الوزارة، هكذا قيل لمن تم طي قيدهم يومذاك. والآن تحت التشكيل الجديد للتجمعات الصحية تخفق الإدارة التنفيذية للتجمع الصحي بمكة في تطبيق نظام المدن الطبية على مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة أسوة ببقية المدن الطبية والمستشفيات التخصصية في المملكة، لينتج عن ذلك توزيع موارد المدينة الطبية على جهات أخرى، الأمر الذي أدى إلى شح مواردها، وبالتالي إلى تقليص الخدمة، لدرجة أن مريضًا أتاهم في الطوارئ لم يكلّف الطبيب المناوب نفسه مجرد عناء فحصه، بل اكتفى بإعطائه ـ بلهجة صارمة ـ تعليمات عن المستشفيات المطلوب منه أن يراجعها، مردِّدًا مقولة “هذه تعليمات الوزارة” “هذه تعليمات الوزارة” عدة مرات، وعندما قال له المريض هل أنقل عنك هذا الكلام، رد عليه وهو مرتاح الضمير ـ وبنبرة متحدية ـ قائلًا : نعم انقل عني ذلك، أنا الدكتور “فلان الفلاني”. فخرج المريض وهو يردد “ضَعُفَ الطّالِبُ والمَطْلُوب”. وانتشرت المقولة في أرجاء البلد الحرام. ومثل هذه الواقعة وأشباهها كثر، وتجد عزيزي القارئ في نهاية المقال رابطًا يسرد لك نماذج منها. ونحن نربأ بالمدينة أن تنحدر إلى هذا الدرك. كما نربأ بالإدارة التنفيذية للتجمع الصحي بمكة المكرمة، وعلى رأسها الدكتور حاتم العمري، والمجلس الاستشاري للتجمع وعلى رأسة معالي البروفيسور عدنان المزروع وبقية أعضائه الموقرين، أن تلامس هذه المقولة مسامعهم دون أن تستثير فيهم نخوة عبد الله الربيعة تجاه البلد الحرام وأهله وزواره الكرام، إذ من حق المواطن - وكل من يرى في مكة درة الكون التي يجب أن تصان - أن يخاطب الهيئة التنفيذية للتجمع الصحي، التي اؤتمنت على هذه الدرة، أن يخاطبها من واقع منطوق رسالتها التي تقول: “توفير رعاية صحية مستدامة ، سهلة الوصول و خاضعة للمساءلة”. طيب ما هو الحل؟ نظام المدن الطبية والمستشفيات التخصصية بالمملكة المذكور أعلاه يشكل أساسًا للتفاهم مع المسؤولين في التجمع الصحي، خصوصًا حول ما يتعلق بالميزانية وأوجه صرفها، والموارد المالية لها. البديل الآخر هو جَعْل مدينة الملك عبد الله الطبية بمكة المكرمة تحت مظلة الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة، أسوة بمستشفى الملك خالد للعيون بالرياض، الأمر الذي يكفل عدم تدخل التجمع الصحي في شؤون المدينة ماليًّا. وماذا عن الخلل في الأداء المهني؟ النقد الحاد للأداء المهني وظواهر التعامل المفتقر للخلق القويم، هي حالات شخصية تزخر بتوصيفها وسائل التواصل الاجتماعي، كتبها من عايشوها من المرضى أنفسهم أو من أقربائهم الذين شاهدوها عيانًا (الرابط في آخر المقال يسرد نماذج عديدة منها). وهذه من المؤكد أن أصحاب الشأن في التجمع الصحي قد اطّلعوا عليها ويعرفون حق المعرفة تفاصيلها. ولكننا برغم ذلك لم نسمع عن أي إجراء اتُّخِذ في هذا الشأن من المسؤولين في التجمع الصحي، ناهيك عن الإدارة التنفيذية في المدينة الطبية. ولو التمسنا لهم العذر في أن هذه سلوكيات شخصية تبدر من بعض العاملين في أي مجال من حين لآخر، إلا أن وضع التحول خلق حقائق لا تقبل هذه المعاذير، إذ هناك كيان جديد دخل في المعادلة لا توجد في قاموسه مثل هذه المفاهيم. هذا الكيان اسمه “شركة الصحة القابضة”، والكيان بهذه الصفة، كونه مكلف بالاستثمار في القطاع الصحي، لا يقيس الأمور إلا بمعايير الربح والخسارة . بل ربما كان من الأرجى تناول لب مشكلة تدني الأداء كما يراها العاملون داخل المنظومة الذين أمكن تلخيص تشخيصهم للخلل على النحو التالي: * بمدينة الملك عبدالله الطبية كانت الأمور ميسرة، الي أن بدأ التجمع الصحي وبدأت الأمور بالتدهور. واضح أن تقليص موارد المدن الطبية لتوزيعها على مراكز صحية أخرى من مثالب التجمع الصحي .. ولو قُدِّرَ للتجمع الصحي أن يحقق لتلك المراكز موارد أخرى بدون تقليص موارد المدن الطبية لتحولت المثالب إلى مناقب. * النقطة التي ينبغي التأكيد عليها لتصحيح الوضع هي: جعل مدينة الملك عبد الله الطبية بمكة المكرمة هيئة مستقلة أسوة بالمدن الطبية الأخرى ومستشفى الملك خالد للعيون بالرياض، حيث انها لا تتبع للتجمعات الصحية ولديها تنظيم مختلف. ومكة المكرمة تستحق أن يكون لها مدينة طبية تخرج عن بيروقراطية الوزارة والتجمعات الصحية واستغلال مواردها الضخمة في خدمة الحجاج والمعتمرين وقاطني البلد الأمين، وأن تكون كيانًا غير ربحي. وتحقيق موارد للمراكز الأخرى من ميزانية تخصص لها وفق تقديرات الوزارة لحجم متطلباتها. وأخيرًا فإن الأمانة تقتضي تفعيل التحليل النقدي والتشخيص التمايزي للنظر فيما إذا كان العوار ذاتيَّ التولُّد أم خارجي المنشأ. إليك ـ عزيزي القارئ ـ هذا المنحى العلمي الرصين والمدعَّم بالأرقام لتصدر الحكم بنفسك على المسألة قيد النظر: عند تأسيس مدينة الملك عبد الله الطبية بمكة المكرمة كان الرقم المرصود للأسِرَّة التشغيلية المخصصة لها هو 710 أسرّة، من بينها 210 أسرّة للتشغيل اليومي، مثل الطوارئ، والعمليات، وعناية اليوم الواحد، الأمر الذي يجعل الطاقة الاستيعابية التنويمية الكلية للمدينة 500 سرير. ولكن للأسف .. تقريبًا ربع هذا العدد من الأسرة خارج الخدمة (أي 117 سريرًا). وبذلك تنخفض الطاقة الاستيعابية الكاملة للمدينة الطبية إلى 383 سريرًا فقط. هذا الواقع مؤلم من وجهين، أولهما أن رفض قبول حالات مرضية تعذرًا بعدم وجود سرير متاح يعطي انطباعًا مضلِّلًا لدى عامة المواطنين بأن المدينة تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية، في حين أن مبدأ الشفافية يحتم بيان الحقيقة للرأي العام. وثانيهما أن هناك تفويتًا لإعطاء فرصة لـ 117 مريضًا كان يمكن قبولهم لتلقي العلاج. فإذا لم يكن هذا عوارًا مريعًا ذاتيَّ التولُّد في الخطة التشغيلية للمدينة الطبية تتحمله الإدارات المتعاقبة، فما هو العوار إذن؟ التفاصيل عزيزي القارئ تجدها في هذه الدراسة التي نُشِرَت عام 2023م تحت عنوان: “Opportunities and Barriers in the Planning of Hospital Bed Capacity in a Tertiary Care Hospital in Makkah, Saudi Arabia”. Saudi J Health Syst Res - DOI: 10.1159/000530235 “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” (هود-88) ======== رابط ملاحظات المرضى: https://2u.pw/kG6OFsx6