مقاطع من أوقاتي المترددة ما بين الذهبية والبرونزية.
أوقاتي المترددة في وسط النهار كنت أظن أن حالتي ذهبية. حتى تدهور الوضع ونزل قليلا الى مستوى الحالة الفضية بسبب لفحة هواء باردة. تأكدت من ذلك ظهر هذا اليوم حين وجدت أني لا أرغب في فتح الكمبيوتر للاستمتاع بإكمال نص مفتوح الرحاب على حياتي اليومية. أنام وأصحو بمتعة، ما قبل النوم أكتب في ذهني مقطع من قصة شعرية عن متعة أوقات صارت شبه آلية، ثم تدريجيا تحول الى الملل في بعض التفاصيل، ثم حدث أو خبر طارئ يهز شجرة الوقت فيتحول الى الذهبي أو ينزل به الفضي. هذه الحياة اليومية الآلية الممتعة للنوم واليقظة، تشبه رواية بلا أحداث. كل لحظة، أو كل يوم، أو كل فصل، له مزاجه الخاص الذي له علاقة محسوسة وغير مرئية مع الفصل الذي يليه. هذا وفقا لحالة الجسد ولنوع العلاقة مع النوم. أشعر أحيانا أن للجسد في النوم رائحة مميزة. رائحة صافية بلا زخارف. أو أن له علاقة بخبر صغير قد يحول الحالة من الفضية الى الذهبية أو يذهب بها نزولا، الى البرونزية. كوب القهوة يدخل في الموضوع تستمر الحالة ذهبية لمدة تقارب الساعتين، مع كوب قهوة يدفعها الى ست ساعات. ثم حالة مشي تعلقها في متعة الفضية، ثم مقهى قريب بجواره قد يتم اليوم بالروح الفضية، ويرتقي للذهبية، حين يتفتح الذهن مثل وردة ويبدأ في اكمال نص مقاطع من حياة. مشاعر مثل ايقاعات موسيقى ترتفع وتنخفض وفق منظر أو ذكرى عابرة أو صورة عالقة في جدار الذهن وسقطت فجأة بفعل الزمن. فيها كل شيء قابل للتحول وللتغير وللمراجعة، حتى في اللحظة الواحدة، بمعنى أن حياتنا تتأثر كثيراً بما حولها فلا تثبت على حال، في الغالب، وأحياناً يمكن تشبيهها بإيقاعات الموسيقى التي ترتفع أحياناً وتهبط أحياناً أخرى، تضج في لحظة وتهدأ في لحظة تالية، ليس في المزاج فقط، لكن حتى في رؤيتنا للأشياء، وللتناقضات المحيطة بنا في واقعنا اليومي المعاش، والوقائع والأحداث اليومية المتباينة والمتعارضة التي تجعلنا نراجع كل شيء، لا شيء ثابت، كل شيء متحرك.. ويحتاج الى يقظة فنية تحاول كشف جوهر التحولات ومزاجها.. الى أين تتجه.. ذاتي الفضية في الليل المتأخر تخرج الأسرار الصغيرة. في الليل أغدو صغيرا أمام ظلام رهيب، وذاكرة درامية غنية بأحداث ومواقف ومشاهد وحوارات نهار سابق. أحاسب مواقف أو أرضى عنها أو أخطط لإكمال حوار تركته في النهار ناقصا مع كائن مضحكة وممتعة خفته. وفي الليل قبل النوم أقترب من هذا الفيلم الغامض وليس الموت الصغير. وحين أدخل بتنفس مرتاح أرى ما يشبه البرزخ، حياة بين حياتين دون قبض روح، الروح قبضها هذا الليل بظلامه الفردوسي العميق، وقرب النوم أشعر أن الموت سيكون لذيذا واكتشافا ممتعا وجديدا، ثم تبدأ الحكاية دون قوانين الفيزياء التي نعرفها، حين أطير من رأس جبل صغير الى غرفة داخل بيتنا الواسع في القرية دون المرور بدروبها، قد أكون في مكانين في وقت واحد مثل حلم، حكاية مفتوحة بلا حبكة وبلا مغزى وبلا هدف. من أين تأتي الحكايات إذا فكر الواحد منا في نفسه، بعد بعض التحولات البسيطة والغريبة التي تحدث أحيانا للجسد، سوف يكتشف أنه قد يتحول الى إنسان شبه آلي في لحظة سارحة واحدة، وفي غفلة من زمن لا يمكن ايقافه ولا يمكن التنبؤ بأخباره ومفاجآته. تشعر بهذا حين تختل أو تلتهب منطقة الحواس في حالة ربما بسيطة وموقتة وعابرة. خلل في بعض الحواس مثل السمع أو الشم أو التذوق أو البصر، ويتأكد هذا بشكل ثقيل، إذا مر الإنسان بحالة مثل دوخة وفقد الاتزان بسبب الأذن الوسطى مثلا، حين تصحو على حالة مثل هذه وتمشي دون توازن، تذهب يسارا فتجد أنك ذهبت الى اليمين قليلا دون إرادتك، في لحظة مؤلمة وفكاهية ساخرة، وهي حالة يمكن أن تزول مع العلاج في الغالب. والواحد منا يقرأ أو يسمع دائما حكايات مثل هذه ويتذكر وينسى أو يحاول أن ينسى لأنه مشغول أو يريد أن يكون مشغولا، وإذا زارته مثل هذه الحالات ينسى كل ما سمعه. إيقاف المشهد لحظة حدوثه أنا في النهار انسان عادي مثل سركون بولص. مجرد قارئ سارح أتأمل في المشاهد العابرة والعادية والمألوفة والبسيطة وأقرأ في تفاصيل حياتي اليومية استمع الى موسيقى الناس وحواراتهم. أتمشى في الحارات واتفرج على أنواع مبانيها. أزور المقاهي وآكل في مطاعم الشوارع الصغيرة. أمشي بمتعة وأخلد المشاهد العادية المختلفة في ذهني. وفي الليل أنا على وشك كاتب يحاول أن يجمع هذه المشاهد ويقطرها ثم يكتبها في مساء غير مستعمل. في محاولة لتكون مشاهد غير عادية وغير مألوفة. وحين أشعر أني قبضت على الحكاية الضائعة أكتبها وأنام وفي الغد أعود الى وقتي المعتاد أتمشى في الحارات وعلى أرصفة الشوارع الفرعية وأنا مثل فكرة قصة تائهة أو مثل حالة سارحة.