مسلسلات الدراما السورية..

(باب الحارة) فتح الباب أمامها ولم يغلق.

في موسم رمضان للعام الحالي 2025 للدراما السورية والتي عادت لشاطها بالرغم من الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد منذ شهر ديسمبر الماضي.. يُلاحظ غياب مسلسلات البيئة الشامية عن خارطة الأعمال الدرامية السورية وخاصة المسلسل الأشهر(باب الحارة) والذي كان من المتوقع أن يُعرض جزئه الرابع عشر في موسم رمضان 2025 فيما يعرض حالياً ثمانية مسلسلات درامية سورية في موسم رمضان للعام الحالي ومعظمها أعمال اجتماعية معاصرة أو كوميدية باستثناء مسلسل(ليالي روكسي)الذي يقدّم دراما بيئة شامية تعود لعام 1927في فترة الانتداب الفرنسي على سوريا والمسلسلات التي تعرض حالياً هي:(البطل ـ السبع ـ العهد ـ تحت سابع أرض ـ قطع وريد ـ ليالي روكسي ـ يا أنا يا هي ـ نسمات أيلول) .. لعلّ ما ميز وزاد من انتشار الدراما السورية في السنوات العشرين الأخيرة هي مسلسلات(البيئة الشامية)والتي كان أشهرها سلسلة(باب الحارة).. وكان الباب قد أُغْلِقَ من قبل مخرج المسلسل والمشرف عليه الراحل(بسام الملا)ومن قبل القناة التلفزيونية الداعمة والعارضة الرئيسية له(mbc)مع الجزء الخامس في عام 2010م وليتوقف تصوير جزء جديد منه مع بداية الأزمة السورية بداية عام 2011ولكن كانت العودة في العام 2014م حيث صوّر(الملا)الجزئين معاً أي السادس والسابع على أمل أن يتوقف المسلسل عند الجزء السابع بسبب استهلاك قصصه والتي هي أقرب لفانتازيا شامية وليست وقائع موثقة، ولكنه استمر وبأجزاء جديدة ومن قبل شركة انتاج أخرى ومخرج آخر حيث قدّم قبل سنتين الجزء ال13منه ولتتوقف أخباره عند الجزء 14والذي ظلَّ بين أخذ ورد إن تم المباشرة به وإن سيعرض في موسم رمضان للعام الحالي 2025 مع تصريحات لمؤلفه(مروان قاووق) بأن العمل جاهز للتصوير ولكن لم تأخذ الشركة المنتجة له(شركة قبنض) قراراً بتصويره وربما يتم ذلك فيما بعد ليُعرض في موسم رمضان 2026 .. وكان باب الحارة قد تَعَرَّضَ خاصة بعد الجزء الرابع للكثير من النقد من جهة سطحية قصصه كعودة (أبو عصام) بعد أن توفي في الجزء الرابع منه وأخطاء حصلت به و منها إظهار إحدى شخصيات الحارة وهو الخضري( في الجزء السابع رغم أن هذه الشخصية توفيت في الجزء الخامس من المسلسل، كذلك ظهور(أبو عصام) الذي يجسّد الدور الفنان(عباس النوري) ببنطال جينز وحذاء رياضي تحت جلابيته في مشهد من الجزء السابع الذي عُرض في موسم 2015وهذا بالتأكيد لم يكن موجوداً في الشام في فترة أحداث المسلسل في ثلاثينيات القرن المنصرم، ولأن المشاهد العربي(ذكياً) فقد التقط أخطاء أخرى عديدة ارتكبها مخرجو مسلسلات البيئة الشامية وحفلت بها صفحات التواصل الاجتماعي مع التهكم عليها ومنها الجزء الثاني من مسلسل (طوق البنات) للمخرج إياد نحاس حيث لاحظ المشاهدون الفنانة السورية (إمارات رزق) تحمل في يدها حقيبة من ماركة عالمية للمصممة((Tory Burch وهذه المصممة لم تكن قد ولدت في الفترة التي يتحدث عنها المسلسل وهي حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي بينما المصممة المذكورة ولدت سنة 1966 وتوري بورش مصممة معاصرة صنّفت من قبل مجلة(فوربز) في المرتبة 73بين النساء الأكثر قوّة في العالم؟!...ولكن الانتقاد الأبرز لمسلسل(باب الحارة) أنه ظلم المرأة ولم يقدّمها بالشكل الصحيح، ولذلك جاء مسلسل آخر للمخرج (باسل الخطيب) عُرِضَ في الموسم الرمضاني 2015 تحت عنوان(حرائر) وكأنه رد على باب الحارة حيث قدّم المسلسل المرأة الدمشقية المثقفة والمتعلمة والمناضلة إلى جانب الرجل من خلال قصص وحكايا تعود للفترة ما بين 1915و1920أي ما بين خروج العثمانيين ودخول الفرنسيين لسوريا، فالمسلسل ألقى الضوء على شخصيات مهمة كان لها وقعها على مسار الحركة الثقافية والصحفية في تلك الفترة، ودور المرأة في ذلك مستعيداً سير نساء دمشقيات واجهن أسباب التخلّف الاجتماعي آنذاك.. ولكن (باب الحارة) الذي حصد ومنذ جزئه الأول أكبر نسبة مشاهدة في العالم، قد فتح الباب أمام شركات الإنتاج والمخرجين لدخول حلبة منافسة شديدة ومملة مع(باب الحارة)فقدموا عشرات المسلسلات الشامية وبأجزاء متعددة وبتسميات كثيرة ومنها: أهل الراية وأولاد القيمرية وطالع الفضة وبيت جدي والغربال وهناك(طوق البنات)الذي عرض بأربعة أجزاء على مدى أربعة مواسم رمضانية ويسجّل لهذا المسلسل أنه حاول أن يقدم قصة واقعية بعيداً عن الفانتازيا الشامية تعود لفترة ثلاثينيات القرن الماضي، ومسلسلات عديدة تأخذ البيئة الشامية مصدرا لموضوعها ومادتها الدرامية كما يقول القائمون عليها ومنها: (خان الدراويش بجزئيه الأول والثاني)و(حارة الأصيل) و(الدبور) بجزئيه الأول والثاني و( زمن البرغوث ) وغيرها الكثير، وقد لاقت هذه المسلسلات انتقادات من المتابعين وحتى من الممثلين السوريين المشاركين فيها، خاصة وأن الأمر بدا وكأنه اجتراراً لنجاحات مسلسل باب الحارة مع تكرار للمواضيع مما أدخل المشاهد في حالة من الملل، وبينما قدّم في موسم عام 2022عدداً من مسلسلات البيئة الشامية بأجزاء جديدة أو عناوين جديدة ولكن أخذت نهجاً متشابهاً مع ما قبلها، فوجئ الجمهور بمسلسل متفرد جاء تحت عنوان(جوقة عزيزة) ليقدّم الحياة الدمشقية في الثلاثينيات أيام الانتداب الفرنسي بشكل مختلف تماماً عن كل ما قدّم سابقاً وفي مواسم 2023و2024 قدّمت العديد من مسلسلات البيئة الشامية ومنها(العربجي بجزئيه الأول والثاني)و(مربى العز)و(زقاق الجن) وغيرها من الأعمال الشامية. ولو استعرضنا آراء بعض الفنانين السوريين الذين التقيتهم فيما يتعلق بهذا النمط من الدراما التلفزيونية فسنسمع آراءً متباينة إلى حد ما؟!.. فالفنان (أيمن زيدان) والذي كان موجوداً في الجزئين السادس والسابع من باب الحارة، وحالياً في زقاق الجن يقول: دراما البيئة الشامية بحاجة لإعادة تقييم والخروج من الدوائر المتشابهة التي تتحرك فيها وأعتقد أن تضفير المادة التاريخية مع المادة البيئية بشكل متقن هو واحد من الحلول بمعنى أن نقدّم حقائق ووثائق وأن نقرأ تاريخاً يتضافر مع القيم المطروحة، فما يقدّم في معظم الأعمال الشامية هو ما يشبه الفانتازيا البيئية الافتراضية وتتكئ على حكايا افتراضية متخيّلة تحكمها لتقديم مجموعة من القيم، وأرى شخصياً انه آن الأوان لتخرج دراما البيئة من الإطار المتشابه الذي تتحرك فيه منذ سنوات لتقدّم نفسها بمنطق آخر قد يكون فيه المعطى التاريخي حجر أساس يرصد التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لسوريا في مطلع القرن الماضي. من جهته يتفق المخرج(تامر اسحاق)والذي أخرج عدداً من مسلسلات البيئة الشامية ومنها(الدبور والأميمي وصدر الباز وغيرها ) مع من يقول أن دراما البيئة الشامية هي فانتازيا شامية من خلال الأحداث التي تقدّمها، ومشكلة الدراما الشامية أيضاً ـ يتابع اسحاق ـ أنها وقعت في مطب التكرار والأجزاء المتسلسلة وأنا شخصياً رفضت أن يكون هناك جزء ثان من الأميمي(أنتج وبثّ في العام 2012) وجزء ثالث من الدبور مع أن هذه الأعمال حققت جماهيرية ومتابعة كبيرة. أما الفنانة السورية المخضرمة(منى واصف) والتي شاركت في مسلسل باب الحارة وغيره من مسلسلات البيئة الشامية فهي لا ترى أن هناك تكراراً في مسلسلات البيئة الشامية، وأن هناك من يقول أن هذه الأعمال لا تخدم البيئة الشامية والبعض يرى أنها تخدم البيئة وهذا الجدال أثاره مسلسل باب الحارة، هناك من قال أنّ باب الحارة أساء للمرأة الشامية ولم يقدّمها كمثقفة ومناضلة وبرأي الفنانة واصف أن باب الحارة يتحدث عن (حارة)وليس عن الشام كلّها هو باب حارة واحدة فقط !.. ونجاح باب الحارة أدّى للطلب من القائمين عليه تنفيذ أجزاء جديدة منه وقد حاول أن يلبي ما يريده الجمهور وأن يتماشى مع الآراء المطروحة. الفنان المخضرم(دريد لحام) والذي شارك في مسلسل شامي واحد فقط في العام 2014م وهو(بواب الريح) مع أنه كان من أوائل من قدّم البيئة الشامية في مسلسلاته الشهيرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ولو بشكل كوميدي مثل مسلسلات(صح النوم وحمام الهنا وأبو الهنا وغيرها)يقول لحام: البيئة الشامية بيئة محببة لدى الجمهور من خلال حاراتها وبيوتها التي تتميز بديكوراتها الطبيعية ولكنني أتمنى أن تبقى دراما البيئة في إطار الحكاية وليس تاريخاً أو تأريخ لمرحلة، في الأعمال الأخيرة يبدوا أن هناك بعض مسلسلات البيئة الشامية ينحو القائمون عليها منحى التوثيق لذلك أتمنى هنا أن ينجحوا في ذلك وأن لا يقدموا لنا صورة خاطئة عن مرحلة نعرفها أو عشناها، فعندما نرى مثلاً في مسلسل شامي نساء تُشْتَمْ وتُضْرَبْ أعود لطفولتي وأتذكر أنه لم تكن تحصل مثل هذه الأمور فالمرأة كانت لها احترامها ومكانتها، كنا نخرج لنشاهد (ثريا الحافظ)وهي تقود مظاهرة أمام القصر العدلي و(نازك العابد)التي خرجت مع يوسف العظمة وقاتلت إلى جانبه في معركة ميسلون ضد الفرنسيين، ولذلك في بعض الأحيان يشوهون صورة البيئة الشامية ومن الأفضل أن لا يصفونها ببيئة شامية بل هي(حكاية)ليس لها علاقة بالتاريخ، فالتاريخ يحتاج لوثائق وتوثيق، وإذا كانوا يقدمون ذلك في إطار درامي وصادقين بذلك فأهلاً بأعمالهم. هي فانتازيا!. هي فانتازيا شامية إذاً؟!.. ولكن تأخذ أدواتها من مرحلة أحبها الناس وهناك حكايات كثيرة لا تنتهي فدمشق مدينة قديمة جداً وفيها الكثير من الحكايات والمواقف التي حصلت يمكن للكتّاب الاستفادة منها وتقديم مسلسلات تلفزيونية بالاعتماد عليها وأن يقدمونها للجمهور العريض وهذا شيء مشروع في الفن فهناك مراحل كثيرة كُرِّسَتْ في الفن العالمي في أمريكا وأوروبا وفي العالم كله هناك مراحل غنية نَهَلَ منها الكتّاب وقدموا أعمالاً كثيرة ومازالوا ينهلون منها.