الشباب وأسئلة الهوية.
جاء تحذير المتحدث الرسمي في رئاسة أمن الدولة خلال مشاركته في ندوة «الإرجاف وسبل مواجهته» في وقت بالغ الحساسية والتعقيد من خلال ما يجري على وسائل التواصل من حملات ممنهجة تستهدف المملكة وشعبها، وتسعى إلى خلق دعاية تعمل على خلخلة التماسك المجتمعي، وضرب العلاقة الفريدة بين القيادة والمجتمع، وبث العديد من الشائعات المغرضة التي تتناقض مع حقيقة المملكة وحقيقة القيم التي تعمل من خلالها، ليؤكد على جملة من القضايا الرئيسية في هذه المرحلة المعقدة، وما يجري فيها من محاولات استهداف حثيثة للمشروع السعودي الذي بدأ ينهض ويبتلع كل ما في طريقه من أجندات ومشاريع كان يعدّ لها طيلة عقود مضت. ركّز المتحدث على التحذير من مغبّة الانجرار خلف «السردية المضادة»، كما وصفها، والتي تسعى إلى خلق حالة فراغ مجتمعي يمكّن أولئك المرجفين من ملئها بالبدائل الأيديولوجية الخطيرة التي تسعى إلى بتر المواطن عن مكوّناته الأساسية (الدينية، والوطنية، والقيمية، والمجتمعية)، إلا أنه في ذات الوقت أشار بوضوح إلى ضرورة استشعار أن «اتساقنا مع حدودنا الفكرية لا يعني أن نكون في قطيعة مع الآخر؛ فمن المهم أن نعرف الآخر جيداً، ولكن دون أن نذوب فيه على حساب ماهيتنا». وهذا استدراك مهم جداً في التفريق بين التماسك المطلوب في هذه المرحلة، وبين عدم الانغلاق والعزلة، بل إن المملكة في هذه المرحلة بالذات لم تعد قابلةً للعزلة عن محيطها أو عن العالم في الوقت الذي أصبحت فيه أحد أهم اللاعبين الرئيسين في المنطقة، وأحد أهم المؤثرين عالمياً. الملمح الأبرز في هذا، أن «قلق الهوية» الذي كان عادةً موضوعاً تطرقه أسئلة المثقفين والمفكرين وزوايا مقالات الرأي بات الآن في هذا التوقيت موضوعاً أمنياً. وهذا يعني جدّية «أسئلة الهوية» وتبدّياتها في هذه المرحلة العاصفة ثقافياً على كافة الصعد. وبما أننا في هذا المنعطف الحاد الذي بات فيه التغيير في أنماط الحياة والتصورات أكثر عنفاً من أي وقت مضى؛ فيصبح من الضروري أن يفتح ذلك المزيد من فرص النقاش الفكري والمجتمعي حول «ماهية الهُوية في زمن متسارع التغيير»، وكل ذلك بما يثمر في صيانة منظومة القيم الثابتة التي نحملها معناً كملامح لنا في كل مرحلة زمنية.