في مجموعة عبد الجليل الحافظ ..

تجليات الموت في لوحات قصصية .

مجموعة القاص عبد الجليل الحافظ (موت) التي صدرت عن دار النابغة للنشر والتوزيع في (56) صفحة مجموعة من القصص القصيرة تناولت فلسفة الموت واحتوت المجموعة على قصص قصيرة جداً تفاوتت في مستواها الفني. يتبادر للقارئ في الوهلة الأولى من غلاف الكتاب أنه سيدخل مقبرة ويقرأ قصصاً عن الأشباح والرعب عن الأموات، لكن يخفف وطأة هذا الشعور إهداء المؤلف الذي تصدر قصص المجموعة. (لك أًنتِ حين تنشدين طلب الحياة) حينما يتجول القارئ بين صفحات المجموعة يجد الموت مختبئاً في زوايا متنوعة من أركان الحياة ويتلبس أشكالاَ مختلفة، ويباغت القارئ في صور مختلفة، حيث يطرح الكاتب على لسان بطل قصة (طعم الموت) تساؤلاً وجدانياً متأملاً ماذا بعد الموت؟! ليس في الآخرة ولكن ماذا بعد رحيل الأشخاص الذين يحبهم ذويهم في الحياة الدنيا أليس أصعب شعور هو فقدان الأب؟ يتساءل بطل القصة، ولكن الكاتب يعيد طرح تساؤل الدهشة ليعيد المتلقي لواقعية الحياة فهي لم تتوقف واستمرت حتى بعد رحيله ولبس من يحبونه الحزن لعدة أيام ثم عادت حياتهم تسير كما كانت . « فما زالت الحياة تجري حتى مع والدتي التي كانت أكثر حزناً وفجيعة فلقد عادت ابتسامتها بعد مدة من الزمن»، ليكتشف أن الحزن مؤقت وستعود الحياة كما كانت. كم موجع من يعتقد أن الحياة ستخلده وستتوقف لرحيله، ويستمر بطل القصة في طرح تساؤلات فلسفية عن الموت هل يمكن الإحساس به؟ ماهيته؟ ويبحث عن الإجابة عبر المونولوج الداخلي حول فكرة تجربته للموت لأنه سيكون مختلفاً من شخص إلى آخر بالطريقة التي يحدث بها الموت وليقرر أنه سيعيش التجربة من خلال أبطال قصصه. يأتي الموت في قصة (لوحة) على صورة لوحة للطبيعة يرسمها إنسان حالم يرقص في حفلة الحياة لكن بمجرد أن اكتملت لوحته أتجه ليكمل نشوة الرقص لكن (حية ) انتهكت دائرته السحرية ونهشته بسمها الناقع ليفارق الحياة ! ويبدع الكاتب في رسم صور الموت في قصة (بعث) من خلال تجسيده في عددٍ من اللوحات الجدارية التي يتأمل قصصها البطل، ففي اللوحة الأولى تهوي قدم لفيل على رأس رجل مقيد الأيدي والأرجل ليجسد صورة العادات الاجتماعية التي قتلت قصة حب بين فتاة وعشيقها في نفس المكان! وفي اللوحة الثانية فارس شهم اختار أن يواجه الموت بالصمود في وجه الأعداء بعد أن فقد جميع رفاقه وبقي وحيداً مختاراً الموت على أن يتم وصمه بالجبان عند هرويه من الأعداء والنجاة فواجه الموت بشجاعة الأبطال في ساحة المعركة . اللوحة الثالثة كانت سوريالية حيث تجسد الموت في غابة غناء يسيل في وسطها نهر من فضة يحف النهر أشجار عليها من طيوراً ملونة من كل فصيل ونوع، ولكن لا أحد مع تلك الفتاة الجميلة التي بدت يدها كأنها تمتد الى الخارج لتدعوه الى الدخول الى اللوحة ليكتمل مشهد الجمال فيها! لبى النداء فدخل الجدار وارتسم ميتاً أمام حبيبته تحيط بهما الحيوانات حزينة بعد أن انغرس سهم جندي كان يلاحق الحبيبة الخفية . ينجح الكاتب في تصوير سوريالية الموت ورمزيتها بالمزيج بين رومانسية الحب وسهم الموت الذي كان يلاحق عشقهما من الجندي وهو يرمز لأعداء الحب والسلام والجمال. في قصة (حقيقة واحدة) انتقل الكاتب إلى أسلوب مختلف حيث تناول الموت بتساؤلات فلسفية عميقة تتعلق بالتناسخ من خلال الوقوف أمام لوحة ويطرح هذا التساؤل هل البشر في الأزمنة الغابر نحن ؟ ويتجسد الوفاء للموتى في قصة (مشط الأبنوس) من خلال أرملة تتأمل شعراتها البيضاء في المرايا وتستعيد ذاكرة ثلاثين عاماً مرت بعد رحيل زوجها، لقد وعدته وهو يحتضر بين نحرها وصدرها أنها ستظل تتزين له كل ليلة لكنها كانت تزيل زينتها كل صباح قبل أن يراها أحفادها فيسألونها عن هذه الزينة لمن حتى هوت على الأرض لتلحق بزوجها. قرأت في المجموعة القصص التي تناولت (الموت) كعتبة النص الأولى لعنوان المجموعة وغلافها، لكن تضمنت أيضاً قصصاً تناولت مواضيع مختلفة كان منها الساخر والدرامي والاجتماعي، وفي نهاية الكتاب مجموعة قص قصيرة جداً التي يمكن تجنيسها ضمن أدب الهايكو، على حد قول المؤلف، وتستحق القصص القصيرة جداً للكاتب قراءة مستقلة. حضور اللوحة كمكان وزمان في عدد من القصص كان الخط الحركي لشخصيات المجموعة في نفس المسار ويتمثل في طرح تساؤلات من خلال التأملات أو فلسفتهم للموت، ويكون البطل هو الرواي للمشاهد داخل القصص.