إحياء مجموعة الزمخشري «الخضراء» بدراسة حديثة عن خصائصه الأسلوبية.

حصلت الباحثة هاجر عبد الله الغامدي على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل بالمنطقة الشرقية عن دراستها «الخصائص الأسلوبية في مجموعة الخضراء لطاهر زمخشري» بعد اجتيازها لمناقشة رسالتها في 01/01/2025م مع اللجنة العلمية المكونة من: • أ.د يسن إبراهيم بشير علي / أستاذ الأدب والنقد، بجامعة الملك فيصل (مشرفا ومقررًا). • د. حسن عجب الدور محمد / أستاذ البلاغة والنقد المشارك، بجامعة القصيم (ممتحنًا خارجيًا) • د. عبد الرحمن بن خليفة الملحم / أستاذ البلاغة والنقد المشارك، بجامعة الملك فيصل (ممتحناً داخليًا) وقد أسعدني هذا الخبر كثيرا عندما ابلغتني به الباحثة وما توصلت إليه، وثمنت كثيرا ما بذلته من جهد وعناء على مدى الثلاث سنوات الماضية التي عكفت فيها على إنجاز هذه الدراسة، إذ كنت شاهدًا على ذلك منذ أن تواصلت معي بحكم صلة القرابة التي تربطني بالأديب بصفتي سبطه الرابع ومهتما بجمع وتدوين أعماله منذ وفاته -رحمه الله- فبادرت بتزويدها بكل ما لدي من معلومات من الدواوين الشعرية للأديب، ومؤلفاتي عنه. وما زاد من سعادتي بإنجازها هو ما التمسته من تحقيق أحد أهدافي من تدوين سيرة الأديب بأن تصبح مرجعًا للأكاديميين والباحثين، وذلك حينما استشهدت الباحثة باقتباسات من مؤلفاتي عن طبيعة حياته الأسرية والاجتماعية وسر حبه لتونس وأهلها. فعلى سبيل المثال لا الحصر اقتباسها «لمست من ذلك مدى شعبية بابا طاهر في تونس، فطيلة الطريق كان الناس يلقون التحية والسلام علينا، حتى من لا يعرفنا كان يلقي علينا التحية والسلام»، من كتابي رحلتي عبر السنين الجزء الثاني صفحة 148، كذلك «من أحلى ما هو موجود في الشعب التونسي حبه للأدب والشعر، وهذا ما جذبني إلى هذه البلاد الخضراء» من صفحة 156...الخ. وقد كانت دراستها تدور حول الخصائص الأسلوبية في مجموعة الخضراء، التي صدرت في عام (1402هـ/1982م) عن دار تهامة للنشر، واحتوت على ستة دواوين شعرية جاءت في (930) صفحة وتعد من المدونات الشعرية الضخمة الصالحة للقراءة من حيث الكم والكيف. وتضمنت أربعة فصول اشتملت على 9 مباحث وثلاثة حقول تناولت المستوى الإيقاعي، والتركيبي، والتصويري، والدلالي في مجموعة الخضرا. واعتمدت في منهجيتها على أسلوبية ليو سبتزر النفسية لتفسير أسلوب الشاعر السعودي طاهر زمخشري ابن مكة المكرمة “الحجازي الهوية والمزاج” (1914م - 1987م) وربط نصوصه بشخصيته، مستندة إلى قراءة نفسية متعمقة مدعومة بآليات علمية وإحصائية لضبط الانطباعية. وطرحت عدة إشكاليات لمعرفة خصائص أسلوب الزمخشري، وأبرزت المظاهر الأسلوبية في شعره وفق المستويات التالية: المستوى الإيقاعي: تناول الموسيقى الخارجية (البحور الشعرية، القافية، النبر والتنغيم) والداخلية (التكرار، التوازي اللفظي، الهسهسة اللغوية). المستوى التركيبي: ركز على الأساليب الخبرية والإنشائية، الحذف، التقديم والتأخير، والأبنية والمشتقات. المستوى التصويري: درس علاقة الخيال بالصورة من خلال التشبيه، الاستعارة، والكناية، مع تحليل وظائف الصور ومعانيها. المستوى الدلالي: حُددت ثلاثة حقول رئيسية للدلالة: الإنسان، الاغتراب، والطبيعة، مع تفصيل الحقول الفرعية المرتبطة بها. وخلصت في دراستها إلى أن مجموعة الخضراء تميزت بتنوع إيقاعاتها الشعرية التي أبرزت الغنائية والخفة في الأداء، مع اعتماد الشاعر على بحور معينة مثل البحر الخفيف لتناسب معاني النصوص. كما أظهرت القافية وأصواتها المهموسة والرخوة دوراً بارزاً في تحقيق انسجام موسيقى النص. وفي المستوى التركيبي، برزت قدرته على التلاعب بأساليب الخبر والإنشاء، مما جعل النصوص متماسكة ومعبرة، بالإضافة إلى استخدامه تقنيات مثل الحذف والتقديم والتأخير بشكل يعكس إبداعه اللغوي. أما الصور الشعرية، فقد عكست خيالاً مرتبطاً بالنفس الجمعية لأبناء الجزيرة العربية، مع التركيز على التشبيه والاستعارة والكناية لإبراز المعاني بوضوح وحيوية. ودلالياً، ركزت المجموعة على حقول الإنسان، والاغتراب، والطبيعة، حيث تناولت قضايا عاطفية واجتماعية تعكس مشاعر الحنين والصراع النفسي، مع استثمار الشاعر لعناصر الطبيعة لتشكيل صور فنية تلامس وجدانه ورؤيته. وأوصت بدراسة سيميائية الألوان في شعر طاهر زمخشري في مجموعته «الخضراء» محل الدراسة ومجموعته الأخرى «النيل 1404هـ-1984م»؛ لما لهما من خصوصية في شعرهِ، يمكن أن تضطلع بها الأبحاث المتأنية، الرافضة للأحكام الانطباعية المسبقة، والالتفات لأصوات الهسهسة في شعر طاهر زمخشري، ومقاربتها وتحليلها عن طريق المناهج النقدية الحديثة. مختتمة دراستها بتأكيد بصمة زمخشري الأسلوبية المتميزة، التي تعكس عمق تجربته النفسية والإنسانية. والحقيقة إن أهم ما لفت انتباهي هو ما ذكرته لي الباحثة عن أبرز ما لاحظته خلال دراستها عن شخصية الأديب رحمه الله بإنه كان يتمسك بالقواعد اللغوية والنحوية ويعتمد على بحر الخفيف في أغلب قصائده والذي يتوافق مع شخصيته، وهو بحر معروف بصعوبته وسحره النغمي، مستشهدة على ذلك بما أشار إليه البروفيسور السوداني عبد الله الطيب في كتابه “المرشد لفهم شعر العرب”، مما يبرز البعد الإيقاعي الفريد في شعر الزمخشري، خاصة في عناصر الهسهسة اللغوية وصوت السكتة، التي تضيف بُعدًا موسيقيًا للنصوص. وأن الزمخشري كان يتمتع بشخصية سوية ومرهفة في مجتمع كان مليئًا بالتحديات والضغوط. إذ كان إنسانًا متصالحًا مع ذاته وصريحًا مع جمهوره ويتحدث عن عيوبه بلا تحفظ، كما كان متسامحًا مع الآخرين، فلم يكن يُظهر أي شعور بالعداء تجاه أي شخص يسيء إليه رغم مشاركته في معارك أدبية. وكان يتعامل مع تجاهله بصدر رحب، إذا كان يسعى دائمًا للجمال في كل شيء، ورغم التقدير الخارجي الذي حظي به لم يكن يتفاخر بنفسه أو يدعي التفوق. كذلك امتاز بتقبله للجميع مهما كانت خلفياتهم أو اختلافاتهم، ورغم أنه كان شاعرًا للبلاط، إلا أن مدحه تجاوز الحكام ليشمل زملاءه وتشجيعهم بقصائد مطولة، والذي ترى الباحثة أنه أمر نادر في عالم الشعراء، ويعكس نقاء سريرته. كما أثار انتباهها اهتمامه بالطفولة والأطفال في الوقت الذي لم يكن يُعنى بهم كثيرًا، وتأسيسه لأول مجلة سعودية موجهة لهم «الروضة 1959م» وما تكبده من خسائر مالية فادحة بعد أن أنفق عليها كل ما كان يملك. أما عن إنتاجه الأدبي، فقد ذكرت أنه كان عفويًا، حيث لم يكن ينقح أو يعدل قصائده، ومع ذلك كانت تتميز بدقة البناء اللغوي والنحوي، وترى أن أعماله بحاجة إلى إعادة تقييم، ليس بمعايير اليوم، بل بمعايير زمنه، لفهم عظمته الأدبية والإنسانية. والحقيقة إن النتائج التي توصلت إليها الباحث قد حفزتني له على الاستمرار في دعم الباحثين الراغبين في إعداد الدراسات المختلفة عن الأديب وأعماله، خصوصًا وأنني أعمل حاليًا مع إحدى باحثات الماجستير على إنجاز دراسة عن أدب الطفل لدى الزمخشري. كما سأسعى إلى العمل مع الباحثة هاجر الغامدي التي وافقت على إعادة نشر درستها في كتاب، التي أسعدتني بموافقتها على الإشراف الأدبي على موقع الأديب طاهر زمخشري الذي أطلقته منذ سنوات ضمن مبادر لرقمنة أعمال الأديب وتوفير دليل رقمي لدواوينه وقصائده للجمهور. وختاما تعد هذه الدراسة خطوة مهمة في إحياء أعمال الأديب طاهر زمخشري وتسليط الضوء عليها وتحليلها بأسلوب علمي. وأرجو أن تكون محفزًا لأبحاث مستقبلية تعزز من مكانة الأدب السعودي وإبراز رواده وشخصياته المميزة.