شكوى الشعراء.

قلب الشاعر وإن اتّسع شعرا لكل ما يدور في مسرح الحياة؛ لكنه ليس بالضرورة أن يعيش جميع تفاصيلها واقعًا. وتستغرب من البعض حين ينتقد شاعرا على كثرة شكواه في قصيدته، وكأنه كما نقول: (شايل الدنيا فوق رأسه)! وإذا رآه يكثر من الغزل ربما لامه على تصابيه! وكأنّ الشعر بالضرورة لا بد أن يكون دائمًا انعكاسا لظروف الشاعر، وعلينا أن نغلق باب الخيال، والابتكار والتمثّل بالشعر، إضافة لطبيعة سمة (المبالغة) التي تظهر في عدد من النصوص، كما يحدث في السينما والتي لا يمكن أن تقبل فيها عملا، وإن اتكأ على سردية واقعية دون أن يكون هناك لمسات إبداعية وفنية تعطي للقصة جاذبية ومزيدًا من الجمال بما لا يُخلُّ بمتنها أو يأخذها لسواحل أخرى. دعونا نعود لغرض (الشكوى من النفس) وهو بالمناسبة باب واسع في الشعر العربي، وكذلك النبطي، وفنّ من فنونه العميقة، والشكوى هي المظلّة التي يقع تحتها عدد من المفاهيم: الحزن، والانكسار والضعف والشعور بالألم واليأس وأحيانًا الشجاعة والصراحة مع النفس وغيرها من مضامين. ويندر أن تجد إنسانا لا يتوجع ويبثّ لواعجه وشجونه، وقد أشار لهذا المعنى المعري: كلُّ مَن لاقيتُ يَشكو دهرَه .. ليتَ شِعري هذه الدنيا لمَنْ؟ وربما كان ذنب الشاعر أن صوته أعلى حين يشكو ويبث شجونه عبر نصوصه الشعرية التي تنتشر بين الناس، حتى وأن تمثّل هموم غيره، وهو ما جعل مفردة “شكوى” ومرادفاتها في اللغة من أكثر المفردات حضورا في نصوص الشعراء قديما وحديثا. ليس لدي إحصائية لكنّك حين تفتّش في محرّكات البحث الخاصة بالشعر يتأكّد لك ذلك. والشكوى من النفس، وإن حملت دلالات ضعف وانكسار وشعور بالخيبة والاحباط أحيانا، فهي ضرب راق من التأديب والتهذيب، وفي بعض المواقف تدلّ على شجاعة، ومكاشفة صريحة مع النفس -خصوصًا- في المواقف التي يعبّر فيها الشاعر عن ظروف واقعية يمرّ بها في مواجهة الحياة بمختلف ظروفها وتقلباتها. ويذهب الشعراء بشكواهم أينما يأخذهم الخيال والفنّ يقول قيس بن الملوح: شَكَوتُ إِلى سِربِ القَطا إِذ مَرَرنَ بي فَقُلتُ وَمِثلي بِالبُكاءِ جَديرُ أَسِربَ القَطا هَل مِن مُعيرٍ جَناحَهُ لَعَلّي إِلى مَن قَد هَوَيتُ أَطيرُ