فيلم «السباحتان»..

صورة للواقع المأساوي لرحلة اللاجئ في البحث عن الأمن والسلام.

فيلم « السباحتان» الذي افتتح مهرجان تورونتو السينمائي والذي يستند إلى تجارب واقعية للسباحة الأولمبية يسرى مارديني وشقيقتها سارة مارديني، اللتان أجبرتا على الفرار من وطنهما سوريا في عام 2015 بسبب الحرب الأهلية المستمرة في ذلك البلد. تعاونت المخرجة سالي الحسيني مع الكاتب المسرحي الأنكليزي جاك ثورن في اقتباس السيرة الذاتية ليسرا مارديني الصادرة عام 2018 وتحمل عنوان «الفراشة: من لاجئ إلى أولمبي» قصتي عن الإنقاذ والأمل والانتصار». يدور فيلم سالي الحسيني الجديد حول قصة جيدة جدا لدرجة يصعب تصديقها. القصة الحقيقية الملهمة لشقيقتين فرتا من سوريا إلى ألمانيا في عام 2015 لتحقيق حلمهما في المشاركة الألعاب الأولمبية. إنها قصة هروب شاق وبداية جديدة مليئة بالحرمان ، تروي المخرجة وكاتبة السيناريو الويلزية - المصرية هذه القصة بقوة ثابتة وعين إنسانية وفي صور جميلة جدا لدرجة أنها تبدو أحيانا غير مناسبة في ضوء الوجه القبيح للحرب . الفيلم بطولة الشقيقتين اللبنانيتين ناتالي ومنال عيسى، والمصري أحمد مالك، والسورية كنده علوش، والفلسطيني علي سليمان، والألماني ماتياس شفيجوفر، والبريطاني جيمس كريشنا فلويد . تدور أحداثه بين سوريا، وتركيا، وألمانيا، والمجر، واليونان . في البداية ، نتعرف على عائلة مارديني السورية خلال حفلة عيد ميلاد . الشابة سارة مارديني (منال عيسى) البالغة من العمر 20 عاما ترقص من قلبها وعلى بعد أمتار تدوي أصوات الصواريخ والإطلاقات النارية. تبدو شقيقة سارة البالغة من العمر 17 عاما يسرى (ناتالي عيسى) ضائعة في وضح النهار . وبهذه الطريقة توضح المخرجة وكاتبة السيناريو سالي الحسيني مدى خطورة الوضع في سوريا، عندما تغدو الحياة اليومية للشابات مع أهوال الحرب في غاية الخطورة وأحلام الاثنتين وفرحتهما بالحياة لا تتناسب مع القنابل المتساقطة والعنف الذي غطى على سماء دمشق . يعطي سبب اضطرار كل هؤلاء الأشخاص إلى ترك وطنهم وراءهم. وبهذه الطريقة ، يصبح البطلان وابن عمهما (أحمد مالك) رموزا تمثيلية تندمج فيها المصائر الفردية والاجتماعية في بعضها البعض . يبدأ الفيلم في عام 2011، ومن العاصمة (دمشق) وفي فترة البلد في حالة غليان ، مسيرات ومظاهرات واصطدام مع جيش النظام السوري، فتيات شابات مفعمات بالأمل يحاولن أن يعيشن أفضل حياتهن ، يتدربنً السباحة على يد والدهم عزت (الممثل الفلسطيني علي سليمان)، وهو سباح سابق توقفت حياته المهنية بسبب الخدمة العسكرية وتقدمه في العمر. يسرا كانت أكثر موهبة من شقيقتها سارة ولديها أحلام في الوصول إلى دورة الألعاب الأولمبية . في عام 2015، قررت الشقيقتان سارة ويسرى مارديني مغادرة منزلهما في سوريا. في بداية الخراب والحرب التي ستدمر بلدهم وهناك فرص قليلة جدا بالنسبة لهم لتحقيق حلمهم كسباحيتن محترفتين. وهكذا، بدون والديهم وبرفقة ابن عمهما فقط، يشرعون في السفر عبر الطريق الخطير إلى أوروبا. وحتى عندما يصلون أخيرا إلى ألمانيا، فإن الكفاح من أجل حياة في الحرية والمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2016 في ريو دي جانيرو لا يتوقف. لكن سارة ويسرى مصممتان على تحقيق أحلامهما، لأنهما تتمتعان بالقوة والشجاعة – ويسند بعضهما البعض. تتدرب الشقيقتان في المسبح كل يوم وبتوجيه ومتابعة والدهما السباح الدولي السابق. لا تزال يسرى تضع هذا الهدف في الاعتبار بقوة حتى مع اقتراب التأثيرات وسوء الحالة الأمنية حرفيا أكثر فأكثر. بثقة بطلة رياضية طموحة، تقترح سارة على والدها إرسالها إلى ألمانيا مع يسرى وبرفقة ابن عمها نزار (أحمد مالك) . يسرى لم تبلغ سن الرشد بعد، لذلك لا يزال لم شمل الأسرة ممكنا بعد الوصول الهدف المنشود . وكلما أصبحت الحياة اليومية في سوريا أكثر عنفاً وخراباً بدا هذا الخيار أكثر أمانا، انطلقت سارة ويسرى ونزار إلى اسطنبول . بحلول الوقت الذي وصلوا فيه أخيرا إلى برلين ، خلال رحلتهم، تعرضوا للسرقة والإذلال وسوء المعاملة، لكنهم أقاموا أيضا صداقات جديدة مدى الحياة على طول الطريق. كادوا أن يدفعوا حياتهم ثمن عبورهم في زورق مطاطي مؤقت. حقيقة أنهم وصلوا إلى الشاطئ دون أن يصاب بأذى يرجع الفضل إلى الأختين اللتين تجيدان السباحة، ومهارتهما وبطولتهما هي التي انقذت رفاق رحلة الزورق من الغرق . خلال هروبهما اللاحق، يعيد الفيلم بناء عذابات ومخاطر وظروف اللاجئين بشكل مثير للإعجاب من وجهة نظرهم. ضيق القارب، وخوف كل فرد، والتماسك في الكفاح من أجل البقاء. صورت المخرجة سالي الحسيني، بكاميرا المصور كريستوفر روس صوراً رائعة وبسيطة ، مثل لقطة تكدس عدد لا يحصى من سترات النجاة الصفراء على شواطئ جزيرة ليسبوس، التي تقول الكثير عن مصير العديد من اللاجئين في العالم أكثر من الكلمات . من خلال عدسة المصور ‏‏السينمائي كريستوفر روس‏‏، ترسم الحسيني صورة لمحنة اللاجئين في لحظات مثل وصول الأخوات إلى جزيرة يونانية يتردد عليها عدد لا يحصى من اللاجئين قبلهنً، ويسيران في واد من سترات النجاة ذات الألوان الزاهية المهملة. تركز الكاميرا على أكداس من سترات النجاة كتلميح إلى مدى اتساع هذه الأزمة . بمجرد وصولهم إلى مخيمات اللاجئين في ألمانيا. الشابة سارة تكثف جهدها للتقدم بطلب اللجوء وإحضار بقية أفراد عائلتها من سوريا بينما تواظب يسرى على التدريب مع مدرب سباحة ألماني يدعى سفين (ماتياس شفايغوفر) يساعد سفين في صقل مهاراتها التي تضاءلت في رحلتها، ويعمل على تدريبها لغرض تمثيل الفريق الأولمبي للاجئين الذي تم تشكيله حديثا في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016 في ريو جانيرو . بالاعتماد على العناصر الكلاسيكية للأفلام الرياضية مثل مونتاج التدريب ، تتبعها رحلة يسرى للمنافسة في بطولة للسباحة في البرازيل. لكن الهدف من هذه القصة لا يتعلق بالفوز بالميدالية الذهبية أو حتى تمثيل سوريا ، بل تطرح المخرجة المخاطر التي تواجه اللاجئ الباحث عن مكان آمن حيث يفقد الكثيرون حياتهم وأحباءهم ، ويصادفون مواقف وأشخاصاً يعتدون عليهم أو يسرقونهم أويستغلون ظروفهم وموقفهم غير الشرعي في البلدان التي يمرون بها . على الرغم من كل القسوة الواقعية والصدمة في سرد، الفيلم، لكنه لا يفقد أبدا فرحة الحياة والإنتصار التي تظهر ملامحها على سارة ويسرى والممثلين الشباب الآخرين. هذه الطاقة المثيرة واضحة بشكل خاص في نهاية نبضات القلب في دورة الألعاب الأولمبية في ريو، حيث تريد يسرى تحقيق حلمها الكبير وتكتشف سارة أيضا هدفها في الحياة . فيلم “ السباحتان “ للمخرجة سالي الحسيني هو أكثر بكثير من مجرد فيلم عن قصة حقيقية مؤثرة تجعل منظور اللاجئين مرئيا. إنه فيلم مفعم بالأمل والملهم عن شابتين قويتين بشكل لا يصدق لديهما الشجاعة في عدم التخلي عن أحلامهما أبدا. حولت سالي الحسيني الأحداث الحقيقية إلى فيلم ملون وقوي عن الشجاعة وقوة الإرادة والعزيمة، وعن النساء القويات والصداقة والأخوة. صرحت المخرجة: “ إنه مأخوذ عن قصة حقيقية للسباحة يسرا مارديني، التي شاركت في أولمبياد 2016 ضمن فريق اللاجئين، وشقيقتها سارة التي تحولت لاحقاً إلى متطوعة في مجال إغاثة اللاجئين “. وأضافت: “ إن شجاعة وإصرار يسرا، ونجاحها في تحقيق حلمها، هو ما ألهمها لصنع هذا الفيلم، مشيرة إلى أن العمل كان مليئاً بالتحديات، حيث التصوير في أكثر من بلد ولفترة طويلة قبل تفشي جائحة كورونا، التي عطلت التصوير”. هناك لقطات جميلة في جميع أنحاء هذا الفيلم تؤطرها الحسيني بطريقة مؤلمة ومذهلة على حد سواء. بينما يركز فيلم “السباحتان” في الغالب على رحلة الشابات، فإنه يوسع أحيانا نطاق قصته الشخصية العاطفية لمراقبة الأزمة الإنسانية الأوسع التي تواجه المهاجرين حتى يومنا هذا. تجد الشابات الأمان مع زملائهن في السفر، لكنهن يتعرضن للتضليل أو الإساءة من قبل المهربين . في النهاية ، قدمت المخرجة حكاية جميلة للأختين مارديني ، تُظهر رحلتهما البحرية الشاقة إلى أوروبا، وبطولتهما عندما توقف محرك قاربهما في منتصف الطريق، قفزت الشابتان في الماء إلى جانب شخصين آخرين، وسبحوا لعدة ساعات لقيادة الزورق الغارق إلى بر الأمان، مما ساعد في إنقاذ حياة حوالي 18 شخص .الفيلم لايتحدث عن بطولة الفتاتين وحبهما للسباحة ، بل يجسد رحلة نحو المجهول ويكشف لنا الأهوال التي يجابهها اللاجئون في البحث عن الأمن والسلام ونقل صورة للواقع المأساوي لرحلة اللاجئين، وتؤكد أنهم بشر يحتاجون إلى المساعدة وهم ليسوا طفيليات، وتظهر لنا طريقة التعامل البيروقراطي من قبل موظفي الهجرة بشكل واضح عند رفضهم طلب الشابتين بإحضار والديهما وأختهما الصغيرة إلى برلين . * كاتب عراقي