منذ أن كانت الكلمات تُنسج على إيقاع دانات الفنون الشعبية حتى انطلق الشعر الفصيح يعانق آفاق الإبداع، تبرز جزيرة فرسان كواحدة من المنارات الثقافية في المملكة. هذه الجزيرة التي احتضنت الشعراء والمثقفين في ظلال طبيعتها الخلابة وتاريخها الغني، استطاعت أن تجمع بين الأصالة والحداثة لتصبح أيقونة أدبية فريدة. في هذا الملف الخاص، نستعيد ملامح الدور الثقافي العريق لفرسان عبر عقود طويلة، حيث سكن الشعر وجدان أهلها، وتوارثت الأجيال عشق الكلمة واللحن والفن. نسلط الضوء على مراحل أساسية أسهمت في تشكيل هويتها الثقافية، بدءًا من الأمسيات الشعرية التاريخية التي جمعت كبار شعراء المملكة، مرورًا بالأنشطة التي احتضنها نادي الصواري الرياضي الثقافي، وصولًا إلى الملتقيات الأدبية الحديثة التي جعلت فرسان محطة لا تغيب عن الذاكرة الأدبية السعودية. دور المدارس والأندية في الحراك الثقافي بفرسان أحمد إبراهيم يوسف في جزر فرسان كان الأدب الشفاهي سائداً قبل مرحلة التعليم النَظامي الذي جاء مع العهد السعودي الميمون. كان الشعراء الشعبيون مثل: عبد الله عمر مفتاح، أحمد عمر مفتاح، عمر عيسى حسن، عبد الله بن أحمد الراجحي، محمد عمر سالم والشعراء من آل سهيل (*). تلاهم مبدعون من الجيل الشاب كانوا هم سادة الميدان وأهل المغنى والمعنى على إيقاع داناتهم يرقص الراقصون، وترتفع حناجر المؤدين بالأصوات المردَدة للأبيات التي يلقيها الشاعر على سمع (الشلَال) ليرسلها بصوته الجميل إلى صفَ الراقصين وهواة الفنون الشعبية الأصيلة وهم أي الشعراء الشعبيين نجوم الميادين الداخلية (الأعراس) ومناسبات المواسم) فيبدعون قصائد (التخييلة) للعرائس وأغاني مواسم (الشدَة) و (الحريد) و (الشعبانية) لتغنى من قبل نساء حباهن الله ملكة الحفظ والصوت الرخيم بعد انتشار التعليم النظامي ظهر أثر التعليم وبرز شعراء الفصحى وكتَابها مثل: جيل إبراهيم مفتاح، علي محمد صيقل، أبكر عمر سالم. وجيل حسين سهيل وعبد المحسن يوسف ومحمد عثمان صيقل، ثم جيل الشعراء الشباب الحاليين. وكان لمدارس التعليم العام دور بارز في إظهار مواهب التلاميذ من خلال الإذاعة المدرسية، المسرح المدرسي، المكتبة، النادي الثقافي. بإشراف محمد الريَاني. كذلك شارك نادي الصواري الرياضي بدوره الثقافي في إثراء الثقافة والفنون بفعاليات موسمية يقوم بها مثل معرض رسوم للأطفال، مسرحيات، أمسيات شعرية، حفلات غنائية، أمسية قصصية، على مسرحه المتواضع. ومن ذكرياتي: أن نادي الصواري أقام عدَة فعاليات كان لها صدى واسع في مجلاتنا وصحفنا المحلية مثل: 1 ـ أمسية شعرية عام 1406هــ، شارك فيها الشعراء: محمد الثبيتي، أحمد عائل فقيهي، علي محمد صيقل، عبد المحسن يوسف 2 ـ أمسية قصصية تبناها نادي جازان الأدبي بالاشتراك مع نادي الصواري الرياضي بفرسان شاركت فيها مع أخي الروائي الأستاذ عبده خال وكان الناقد فيها دكتورنا الفاضل الدكتور محمد صالح الشنطي 3 ـ أمسية شعرية شارك فيها الشعراء الأفاضل عبد الله الصيخان، محمد زايد الألمعي، حسين سهيل عبدالرحمن موكلي، وهناك فعاليات أخرى لايتسع المجال لذكرها. اكتسب هذا النادي الرياضي شهرة بنشاطه الثقافي وبرز اسمه من خلال تلك الفعاليات أكثر من شهرته المحلية كناد رياضي ولهذا تعدَ تلك الفعاليات إشعاعات نور ظهرت منذ ذلك الزمان وتعدَ أولى الأنشطة الثقافية في فرسان بمشاركة نادي جازان الأدبي ونادي الصواري الرياضي ومدارس التعليم العام. وفي السنوات الأخيرة ترسَخ ملتقى فرسان الشعري كفعالية موسمية ثابتة وامتداد حديث للأنشطة السابقة وظهور أروع للشعر والشعراء وتعبير صادق عن إيمان مسؤولينا الكرام بأهمية الثقافة كقوة ناعمة ترفع اسم الوطن عالياً وتبرز مكانتنا الاجتماعية والثقافية بين الدول. * للمزيد انظر كتاب الأستاذ إبراهيم مفتاح (الشعر الشعبي الفرساني ومناسباته) فايز أبَّا قبل 40 عاما: «فرسان» الألق والوعي المتأجِّج مذهل ورائع الى اقاصي حدود الدهشة ذلك الذي شاهدته كوكبة من المثقفين في جزيرة فرسان، تلك البقعة النائية من جسد الوطن، فقد احتضنتهم الجزيرة في أمسية شعرية دعا الى اقامتها نادى الصوارى وهناك راحت شطآنها تغزل لهم الإبهار بحياكة متقنة تجاوزت أخيلتهم الطليقة. وقد بدأ مسلسل الفرح يتتالى منذ اللحظة الاولى وكانت اعذبُ مفاجآت جلسة «المقيل» اصوات شباب الجزيرة وهم يترنمون ببعض القصائد « الحديثة » تصوروا !! هذا في حين لايزال كبار الفنانين - عفوا - أقصد أبرز الاسماء في ساحة « الغناء » المحلي والعربي بعيدين تماما - فيما عدا استثناءات قليلة ابرزها مارسيل خليفة وجورج قرمز - عن استيعاب دور الفن الصادق فى انماء الوعى وايقاظ الاحساس بالقضايا بدلا من التردي فى حمأة الرومانسيات الباهتة ... ولعلنا نعترف - يا سادتي - ان التيار الحديث ينقصه الكثير كي يكتسب صفته الشمولية . ومن هذه المقومات المفتقدة غياب الفنان الواعي القادر على التفاعل مع الرؤى المستقبلية / التغييرية - ومن ثم - تشكيل لحن سائغ يسكبه في عقل ووجدان مستمعيه. وكانت المفاجأة الثانية هي احتفال شباب الجزيرة - الذين لا يتصلون باليابسة الا بعبارة واحدة - بالفن الطليعي وتحملهم عناء الانصات للشعراء الاربعة - محمد الثبيتي - احمد عائل - عبد المحسن يوسف- ابراهيم صيقل. وقد تلا القصائد قراءة نقدية استغرقت زهاء ساعتين ثم بدأ النقاش حول قضايا الفن الحديث وساهم فيه بالاضافة الى الاستاذ سعيد السريحي - ناقد الامسية الرئيسي - الاساتذة عالى القرشي وعثمان الصيني وخالد المحاميد وحامد بدوى. والغريب ان الاستاذ ابراهيم مفتاح - الذي أدار الأمسية بشاعرية مستفيضة - اضطر لايقاف متابعة النقاش برغم أرتال الاوراق التي حملت كثيرا من اسئلة / تفاعل الجمهور المتحفز والتي كانت تلح على تمديد الوقت بعد أن تجاوز منتصف الليل.. سلاما على الأعين التي أومضت بكثير من الألق الواعي. *فايز أبَّا (مجلة اقرأ. 8-8-1406 هـ).