الرواية بين الفرد وذاته.

“ أحب الروايات لأني أحب الأحلام “ كتبها المازني نيابةً عن معشر القراء، و أنا.. أحب الرواية لأني أحب معاني الحياة المختبئة بين طياتها، طالت الرواية أم قصرت هي حياة؛ مليئة بالحب و المأساة و الواقع المتغير و الخيال الذي لا حدود له و حاضنة للأحلام التي نرسمها و الثورات التي لم نخضها و الحوارات التي لم نجرؤ عليها و المواقف التي لم تسنح لنا الفرصة لتمثيلها و كل المشاعر التي عجزنا عن صياغتها.. في كل صفحة أجدني و بيني و بين الأخر حرف جر أو فاصلة أو نقطة، أو كناية، لكنها تضمنا في صفحة واحدة و بأحوال متعددة، كما هي حال الدنيا. الرواية شريط ذكرياتك، حتى تلك التي لم تعشها بعد! قد تحملك إلى فردوس مختبئ فيك ثم تسقطك إلى أرذل جزء من ذاتك، تضعك في مواجهة نفسك مراٍتٍ عدة، و قد تقف أمامها صامتا أو معاتبا أو متوسلا..و ما أحلى ذلك اللقاء. . و الذات، ما هي الذات؟ هي أنا. المختبئة فيّ! هي ذاكرتي و أحلامي و واقعي و مأساتي، هي حُبي و خيبتي، و حلمي و وجعي،… و نصيب الآخر مني. إن الرواية هي ملتقى الفرد بذاته، في أماكن لم يسبق له زيارتها، و في طقوس لم يسبق له أن عايشها، و في أحوال عجز مرات كثيرة عن وصفها، و ذلك كله من خلال ( الأخر ) الذي ينجح بإعادتك إليك. و يجسد صورة (الآخرين ) في نفسك! أقرأ منغمسة في معاناة بطل الرواية ثم أصادفني في قصة أحد الشخصيات العابرة! و أجدني مرة أخرى منعكسة على مرآة الشخصية الرئيسية و ألمحني مندسة بين حديثه مع صديقٍ له، لقيتني حين سُندت و حين تهت، ألمس أوجاعي في وصف ما و ألقى تأملاتي في فكرة و أتبسم لأحلامي في مشهد و تستوقفني كلمة واحدة عكست شعور عجزت عن ايصاله أبداً! أتحسسها محاولة نقلها لمعجمي! كم نفرح بالكلمة التي تمثلنا، ألهذا وضعت اللغة؟ لنتخفف؟ أم لننعم بنتاجها! آه كم للكلمة من فضل علينا ، وكم نحن بحاجة لكل أحرف العالم بكل اللغات. عقولنا تنُسج من خلال اللغة وما يتعلق بها من ثقافات، و مشاعرنا تصُاغ من خلالها، لنكون نحن. بل لنحيأ كيفما كُنا و وحيدًا كان الفرد أو منعزلًا فإنه لا يفرح ولا يعاني و لا يتأمل ولا ينجح إلا بفعل الآخر -أي بوجود الجماعة- و من هنا يصبح المجتمع من أهم أدوات المعرفة، و تصبح الحياة بوابة المعرفة و المنطق حينما (تستعملها).