(تمشي خلفه.... )
تمشي خلفه.. وكم تكرر هذا المشهد أمام عينيّ في المطاعم والمقاهي والشوارع والمستشفيات، تمشي خلفه وكأنه القائد والدليل وصاحب القرار، ويلتفت إليها بطرف عينه ويؤشر بإصبعه أن تسرع في المشي، يسأل عن وجود غطاء حاجز للجلسات أو قسم للعوائل ليتوارى معها عن الأنظار، والمشوار كله فنجان قهوة لا أكثر !! هل هي عادة مكتسبة ام أنها صورة للتعامل الحقيقي من قبل الرجل مع أنثاه؟ ليس من الضروري أن تتشابك الأيدي أو يرتفع صوت الضحكات عاليا، لكن على الأقل لتمشي إلى جواره، لتجلس معه أمام خلق الله وبينهم. لطالما تنكرنا خلف الكثير من الشعارات الإنسانية إلا أن أفعالنا الصغيرة هذه تفضحنا دائماً وتفصح عن الكثير مما لا يمكن الإفصاح عنه، مشغولون بإثبات شيء ما للآخرين، بإثبات رجولته كلما زاد حجم المسافة بينها وبينه، وكلما زاد عدد الأغطية التي تحجب الوجه أو الكفين، وكلما كان الكلام لا يزيد عن إشارة فقط في الأماكن العامة، وكأن وجود هذه العاصفة من الأسود لا تكفي لإخفائها عن الأعين وطمس هويتها تماماً، لتكون مجرد تابع يتم تحريكه وفق الحاجة من مكان إلى آخر، وأنا هنا لا أعمم فالكثير من الشباب والشابات استطاعوا الخروج من هذا النفق والوصول الى أطراف الطريق الصحيح، والوعي بمعنى أبعد من أن تكون المرأة مخلوقاً يمشي في الخلف أو ينفذ الأوامر ويسير وفقاً للدستور الذي وضعه لها، بدءاً من اللباس الذي تظهر به وانتهاءً بصوتها ومشيتها. وبقيت المرأة تحت الضوء رغم طمس وجهها، وبقي كل ما يختص بها قابلاً للجدل والنقاش دائماً، وكأنها خلقت لترضي الرجل فقط، منذ «أرسطو» الذي كان يرى أن لها عدد أسنان أقل من الرجل، وبأنها في الأصل وجدت نتيجة خلل مقاومة الطبيعة للمادة لحظة التكوين نتج عنه هذا الكائن الذي يحمل صفات عجيبة بينما الرجل هو الصورة المثالية للخلق!! .. ويفترض أنها أقل من الرجل على أي حال، وكل هذا التشويش والتنظير الفارغ ومحاولات حجب وطمس المرأة إنما يدل على قوة كامنة وعظمة داخل هذا المخلوق الناعم، والذي هو في الأصل النافذة الأولى للحياة، والمكان الذي تتكون فيه القطعة الأولى حتى تتمدد فتصبح إنساناً تاماً بدماغه الذي يفكر ولسانه المتكلم، ورغم ذلك يستمر الإنسان في تكرار ما يسمعه كببغاء ويسلم دماغه لسلسلة عتيقة من المعتقدات الفاسدة واللاإنسانية من أجل الشرف؛ ولا يمكن أن يكون شرف إنسان في إنسان آخر أبداً. ولأكون أكثر شفافية فقد كانت المرأة أحد أهم أسباب هذه النظرة المتخلفة إليها، فقد كانت دوماً الوسيط بين ابنها الذكر ومجتمعه، وكانت دائما قادرة على ترك الكثير من الرسائل الصغيرة داخل دماغه حول الجنس الآخر؛ حتى إذا خرج إلى العالم الأسود كان البياض في قلبه كافياً لتحويل الظلمات إلى نور، لكنها آثرت السير على خطى جدتها وغرس القيم العتيقة التي لا ترى الرجل إلا شبيهاً بإله يمكنها السجود له، وتنفيذ أحكامه عليها مهما كانت، لتتكون النواة الأولى للسلطة الذكورية في داخل رحم أنثوي للأسف. وبالرغم من هذه العتمة التي تستوطن الكثير من العقول إلا أننا في زمن الرؤية المجيد استطعنا أن ننتزع رأس النعامة من ترابه ونشير إلى الأعمى في وجهه، ونقول كل ما نود قوله، بل ونفعل ذلك ونسير أمام الرجل وبجواره شاء من شاء وأبى من أبى.