وشم الفراشة!
«تحط الفراشة وشما» عنوان مجموعة شعرية للشاعر السعودي علي الحازمي، وهو عبارة شعرية مكثفة في صورة متحركة، تبدو فيها الفراشة وشما والوشم فراشة، والتشبيه على تطابقه الأنيق بين الطرفين وتماثله إلا أنه بين متباعدين غاية التباعد، فبينهما مسافة بعيدة؛ إلا أن عبقرية الصورة هنا تتعانق فيها شدة ائتلاف مع شدة اختلاف، بتعبير عبد القاهر، بين الفراشة والوشم. كما تتمثل أيضا في الفعل الذي منح الصورة الحركة، كما منحها السكون معا، فتحط هنا، فعل له طرفان، طرف متحرك بدءا من حركة الفراشة وطرف ثابت أو ساكن انتهاء بالوشم. وفي صيغة الفعل المضارع استحضار للمشهدية في الصورة، فتحطّ غير حطّت مثلا، إذ من أهم ما يميز الفعل المضارع استمراريته أمام النظر، فالمشهد هنا حاضر، ولا يزال، فكأن الصورة هنا مستمرة في حركة لا تتوقف. وتبدو العبارة في بنائها على الفعل المضارع، وختامها بهيئة الحال: تحط/ الفراشة/ وشما، ما يجعل من الصورة ذات بعد سردي كما هي ذات شعرية عالية. استطاع علي الحازمي بهذه الصورة/ الأيقونة، أن يحيل على تجربته الشعرية، أو حتى على المجموعة الشعرية التي حملت هذا العنوان، حيث تبدو شعريّة علي في هذه النمنمات والتفاصيل التي تلتقط الشعر من حقل الطبيعة حينا، والحلم حينا آخر، ومن تفاصيل غائبة عن ملتقى النظر، لكنها حين تحضر في نصه الشعري تبدو أليفة كما هو إيقاعها الهادئ، وهو الإيقاع الذي يحفل به علي الحازمي في تجربته كاحتفاله بالصورة، وكاحتفاله بالمعجم الرومانتيكي حلما ووشما. إذا صح لي أن أستعير من علم الأحياء الشفرة الوراثية أو الجينوم، فهذه العبارة من هذا القبيل، إنها جينوم يحيل على التجربة، وشفرة شعرية تختزن في داخلها سمات التجربة الخاصة بالشاعر كما تختزن الشفرة الوراثية صفات الكائن الحي وسماته الخاصة. هكذا تحط الفراشة وشما، وشما على ذراع النص ووشما على هذه المجموعة الشعرية، ووشما ممتدا في التجربة الشعرية لكن القارئ لن يدرك ذلك إلا بعد أن تطير الفراشة وتخفق بأجنحتها بين حقول النصوص المختلفة في فضاء يتّسع كاتّساع سمائها، وكما يقول أحد الشعراء العالميين في شذرة شعرية نثرية: من أجل فراشة واحدة نحتاج إلى سماء كاملة، نعم، ونحتاج إلى تجربة شعرية فارقة وممتدة كتجربة علي الحازمي وهي تجوب الآفاق العالمية.