لأفراح الهندال حضور لافت في المشهد السردي من خلال نصوصها القصصية، التي حظيت باحتفاء القراء والنقاد، حيث تعددت الدراسات والرؤى النقدية التي تناولت تلك النصوص بالنقد والتحليل. وقد حلّت المجموعة القصصية “سكين النحت”، في مقدمة سرديات أفراح الهندال، التي حظيت بحظ وافر من اهتمامات النقاد. وقد رأى جمهور من النقاد والكتاب الذين سنستعرض بعضاً من دراساتهم ورؤاهم النقدية في تلك السطور، أن مجموعة “سكين النحت”، هي مجموعة مدهشة وساحرة، اتسمت قصصها بالرمزية.. وأن القارىء ما أن يبدأ في قراءة أولى قصصها يجد نفسه وسط عالم يود أن يبقى فيه طويلاً، حيث كتبت أفراح الهندال قصص تلك المجموعة بأسلوب خاص قادر على نقل القراء إلى عوالمها في ومضة عين. تقول الكاتبة: “ يُمكنني أن أبسط ذراعي للعصافير القادمة، يمكن لسيقانهن الرقيقة أن تحط وترفل.. ولكنني رفضت أن أكون فزاعة “، وكأنها تدعونا – هنا – أن نُمعن النظر باختيارات المرء عندما تكون متاحة، ولكن بواطنها إما خير أو شر فالضمير قد يتحدث ويقرر حينها نيابة عنا.. وهنا تتجسّد قدرة الكاتبة على أسر لب القارئ جاذبة إيّاه إلى عوالمها التي تخلقها. البحث عن الحرية ونبدأ أولي تلك الرؤى والدراسات النقدية التي تناولت مجموعة “سكين النحت” لأفراح الهندال، برؤية الكاتب والناقد أنور محمد، الذي قال إن قصص المجموعة تدور في فلك البحث عن الحرية باعتبارها تحدياً يواجهه الإنسان، فإما أن يحيا أو يموت دونها، وأن هذا هو الموضوع الذي تمحورت حوله قصص المجموعة، حيث تتعرض الشخصيات سواء في القصص القصيرة، أو القصص القصيرة جدا، للاضطهاد والتغييب القسري، وهي تنتقل من المعقول إلى اللامعقول، فتسرد في أجواء كابوسية استهزاء وسخرية هذه الشخصيات من المصير المأساوي الذي تُساق إليه عمدًا، فلا يسقطون في حفرة الجبرية المعتقدية أو الاجتماعية. شعرية اللغة وفي دراسته النقدية لقصص مجموعة “سكين النحت”، رأى الكاتب والناقد مختار عيسى، أن عنوان المجموعة يشير للوهلة الأولى إلى شيء من القسوة والحدة،وأن السكين كانت قلماً رشيقاً و المنحوت كان وجعاً وأرقاً إنسانيا، يُلازم الساردة في معظم النصوص منذ لحظات وجودها الأولى، وأن عوالمها تتباين بين ماهو وظيفي واقعي، وإن كانت تجافي المباشرة التعبيرية عنه. واعتبر “عيسى” أن الرمزية التي تكاد تغلف معظم قصص المجموعة، ربما كانت سعياً نحو إثارة المتلقي وتحفيزه على التفاعل ، ومحاولة فك شيفرات كل نص، وربما كانت إحساساً من الذات الكاتبة بخطورة التصريح، فتلجأ إلى التعمية الشفيفة، والإبهام غير الموغل في ظلامية المعنى، وفي دليل على إدراك الكاتبة للعلاقة بين محيطها البيئي، وبين مجالها النفسي المحتشد بكثير من الثقافات والمواقف. التصدير يُضيىء عتمة النص واهتم محمد الحباسي، بقراءة التّصدير في مجموعة “سكين النحت”، مُعتبراً أن التّصدير من العتبات التي تضيء عتمة النّصّ وتوسّع حدوده وتثريه، ويستفز كذلك، فضول القارئ، ويوسع أفقه الثّقافيّ. وقال “الحباسي” إن التّصدير في الكتابة القصصيّة عند أفراح الهندال، يُعد طقساً من طقوس العبور من نصّ إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى ومن فكر إلى آخر. ورصد محمد الحباسي، المقتبسات النّصّيّة التي صدّرت بها الكاتبة قصص مجموعتها، حيث تَوزّعت تلك التصديرات وهذه المقتبسات بين شعر، ونثر، وأقوال فلسفيّة ومسرحيّة ولغويّة/ لسانيّة. وأوضح بأن هذا التّنويع في المقتبسات أوجد ضربا من التكامل بين فنون القول أخرجنا من مفهوم “التّجنيس الأدبيّ” إلى مفهوم “الفضاء الأدبيّ”، مثلما كشف عن خصوبة وثراء في المرجعيّات الثّقافيّة والفكريّة لدى الكاتبة. لملمة شظايا العالم وفي تناولها لمجموعة “سكين النحت”، قالت الكاتبة والناقدة رولا حسن، إنه في عالمٍ يضجُّ بالخراب والموت، وينتجُ كل أشكال العنف والتعصب، وأكثر أشكال الهيمنة حداثة، حاولت أفراح الهندال أنْ تلتقطَ هشاشة هذا العالم ولملمة شظاياه داخل الإنسان الذي كان الضحيَّة الأولى والأخيرة لكل ما سبق. واضافت بأن أفراح الهندال، اشتغلت على مدى متواليتها القصصيَّة، بجدٍ على الكولاجات البصريَّة، وهي تقنيَّة عن نزوعٍ واضحٍ إلى التشظي والتداخل، وينهض القص هنا بشكلٍ رئيسٍ على آليَّة التجميع والتوليف بين عناصر بصريَّة وسرديَّة من خلال بناءات خاصة من التقنيات الأثيرة. المفارقة والبعد الجمالي وفي رؤيته النقدية لمجموعة “سكين النحت”، تناول الكاتب والناقد، موسى إبراهيم أبو رياش، موضوع المفارقة في بعض قصص المجموعة، إذ تعد المفارقة من فنيات القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، وتمنح القصة بعداً جمالياً – بحسب قوله - كما أنها ترفع من مستوى الدهشة، وتلعب دوراً مؤثراً في جعل القصة أكثر عمقاً، بالإضافة إلى أنها تثير شهية القارئ للتساؤل والمقارنة واستبطان المعنى المقصود من وراء المفارقة. ورصد “أبورياش” تلك المفارقة في قصة “باب الأرق”، كما رصدها في قصة “أحياء.. أموات”، حيث كانت الجدة ترحب بالجميع ولا تغلق باب غرفتها، لكنها رفضت أي زيارة لها في المستشفى بعد إصابتها الخطيرة، وأغلقت باب غرفتها، وكانت تتمتم بكلمات في وحدتها، وتبرر رفضها “سمعتهم بما يكفي، وحان دور الآخرين”. ويشير موسى إبراهيم أبو رياش، إلى أن الجدة في هذه القصة بين الحياة والموت، وأصبح الأحياء أمواتاً بالنسبة لها، والأموات أحياء، فهي – كما يبدو- ترى أحبتها الذين سبقوها إلى الموت من أم وأب وزوج وأجداد وغيرهم، وترى مستقبلها وحياتها المقبلة معهم. معجم فجائعي وفي الختام، نقتبس من الكاتبة والناقدة عواطف محجوب العايب قولها: “إن المتأمل في نصوص القاصة أفراح الهندال سيلاحظ حضور معجم فجائعي تراجيدي.. معجم مخضب بالموت والفقد والفراق والحرب والأشلاء والنسيان.. ونصوص ولدت من رحم الفجيعة والمأساة”، ولعل ذلك ما بدا واضحا في قصص مجموعتها “سكين النحت”. بقي أن نُشير إلى أن المجموعة القصصية “سكين النحت”، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في 143 صفحة، وتضمنت تسعا وثلاثين قصة، تميزت بلغتها الجميلة، وصورها الشعرية، وصورت هواجس الفرد، واشتغالاته الداخلية، ومعاناته النفسية، وتشظيه، وغربته عن الواقع الذي يعيش فيه.. وما كُنّا مُحيطين، ولكن نضرب الأمثلة.