تجارة اللؤلؤ في فرسان:

ذكريات تستحق الإحياء.

في جزيرة فرسان، حيث البحر جزء من الهوية، كانت تجارة اللؤلؤ واحدة من أبرز معالم الحياة الاقتصادية والثقافية. إلا أن هذه المهنة التي ارتبطت بعمق بالبحر والصعوبات المرافقة له، أصبحت اليوم جزءًا من الماضي. السيد محمد الراجحي، الذي يُعد آخر تجار اللؤلؤ في الجزيرة، يسترجع تفاصيل هذه الحقبة في حديثه عن تاريخ اللؤلؤ وأسباب تراجع هذه الصناعة التي كانت ذات يوم مصدر رزق رئيسًا لسكان الجزيرة. أفول تجارة اللؤلؤ بحسب الراجحي، انتهت تجارة اللؤلؤ في فرسان منذ ما يقارب سبع إلى ثماني سنوات، بسبب غياب الغواصين وزيادة الاعتماد على اللؤلؤ الصناعي. آخر صفقة عقدها كانت في البحرين قبل سبع سنوات، وهي شهادة على نهاية عصر تجاري عريق. يقول الراجحي: «اللؤلؤ الطبيعي يمتاز بجودته التي لا تضاهى؛ فهو من خلق الله، يعمر طويلاً ويحافظ على بريقه مقارنة باللؤلؤ الصناعي. إلا أن الطبيعة الشاقة للغوص وضعف الإقبال على الطبيعي مقارنة بالصناعي أسهم في انقراض المهنة.» مقاييس وقيمة اللؤلؤ الطبيعي يُوزن اللؤلؤ الطبيعي بالمثقال، حيث تُصنف الحبات إلى ثلاث فئات: الرأس (الحبات الكبيرة)، البطن (المتوسطة)، والذيل (الصغيرة). أما أسعار اللؤلؤ فتعتمد على عوامل عدة مثل الحجم، اللون، درجة النقاء، واستدارة الحبة. يستذكر الراجحي: «قبل 50 عامًا، باع والدي حبة لؤلؤ نادرة في سوق البحرين مقابل 40 ألف ريال، وهي كانت من الحبات التي تمتاز بلمعانها وقيمتها الفريدة.» ذكريات الغوص والمخاطر الغوص كان مهنة محفوفة بالمخاطر، تتطلب شجاعة كبيرة وتحملًا للصعاب، إذ كان الغواصون يمكثون تحت الماء لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 دقائق في أعماق تصل إلى 20 باعًا. الرحلات البحرية كانت تستغرق ثلاثة أشهر أو أكثر، وكثيرًا ما ودع الغواصون عائلاتهم دون يقين بعودتهم. عن ذلك، يقول الراجحي: «الغوص كان مصدر رزق رئيسًا في فرسان، لكن تعدد الخيارات الاقتصادية بعد النهضة الوطنية جعل الناس يتجهون نحو مهن أكثر أمانًا واستقرارًا.» إحياء التراث ورغم أفول مهنة الغوص، يرى الراجحي أن هناك فرصة لإحياء هذا التقليد ضمن المهرجانات الوطنية، من خلال تنظيم فعاليات تحاكي رحلات الغوص القديمة. كما يدعو شركات المجوهرات السعودية للاهتمام باللؤلؤ الطبيعي وإدخاله في صناعة المجوهرات الحديثة. ويختتم حديثه قائلاً: «اللؤلؤ الطبيعي ليس مجرد حجر كريم، بل هو جزء من هويتنا وتاريخ جزيرتنا. الحفاظ عليه يعني الحفاظ على إرث فرسان الثقافي والتجاري.» تظل تجارة اللؤلؤ في فرسان حكاية من الماضي، لكنها تحمل في طياتها قصصًا تستحق أن تُروى وتُحيا من جديد، لتبقى شاهدة على ارتباط الإنسان بالبحر ورحلته بين الحياة والموت في سبيل لقمة العيش.