الوعي البيئي ..

خارج نطاق الخدمة .

امتعاض وألم واستنكار تلوح على وجوه محبين للبيئة ومتنزهين، بفعل ممارسات مستهترين وفاقدين للوعي البيئي بترك مخلّفاتهم مكان تنزّههم، وغياب تام للمسؤولية، وما تسببه تلك الممارسات من تشوه للبيئة وخطر على كائناتها، وكأن الطبيعة عدوة لا صديقة، فضلًا أن المخلّفات لم تقتصر على المنتزهات والسواحل البحرية المهيأة، بل وصلت إلى كل مكان وطأه بشر من بر وبحر، وكأن الأرض ببحرها وبرها كُتب لها ان تعيش هذه المأساة. مجلة «اليمامة» أخذت على عاتقها تناول هذه الظاهرة، والتواصل مع مهتمين ومعنيين بالمحافظة على البيئة، وآخرين من أكاديميين وكُتاب، واستشفاف رأيهم حول هذه الممارسات البعيدة عن الدين والأخلاق، وان كان هناك من حلول ناجعة تقضي على هذه الظاهرة الخطيرة على البيئة وكائناتها. الدور المحوري في تنمية الوعي ركّز استاذ المناهج السابق بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الدكتور أحمد الحسين على دور التربية في دعم قيمة النظافة، وتعزيز الوعي بأهمية عدم رمي المخلّفات، وإبقاء المكان نظيفًا، من خلال التعليم ودعم السلوك، والممارسة الحسنة المستمرة للطلاب في مراحل التعليم المختلفة «والتعليم في هذا الجانب يمارس دور المخطط له، ويعزز من جودة الحياة، عبر القيم المنشودة التي هي مرتكز رئيس في رؤية المملكة 2030». ونحو الوصول إلى دور محوري في تعزيز النظافة، وجعلها قيمة مشتركة بين جميع أفراده، وغرسها في الأبناء، قدّم الحسن حلولًا اختزلها في نشر القيم الأخلاقية باعتبار النظافة سلوكًا أخلاقيًا يعكس احترام المجتمع للبيئة، ومن خلال المدارس والمجتمعات المحلية تعليم الطلاب كيف تؤثر النظافة في حياتهم اليومية وصحتهم، كذلك توفير الوعي البيئي عبر المناهج الدراسية بمحتوى رصين من المعلومات والنصوص والصور عن الأضرار البيئية الناجمة عن تلوث المدن والأحياء وما يفسد البيئة، والوعي بكيفية التخلص السليم من المخلّفات وغرس سلوكيات مستدامة تحقق جودة الحياة. ولم يغفل الحسن عن تحفيز المشاركة المجتمعية من خلال الأنشطة الجماعية، مثل أنشطة النظافة، والمحاضرات والندوات التوعوية، وتشجيع المعلمين والطلاب على المشاركة الفاعلة في الحفاظ على قيم النظافة العامة، وبصحبة تدريب الطلاب في رياض الأطفال والمراحل المتقدمة على السلوكيات السليمة، وتشجيعهم على عدم رمي النفايات في الشوارع والتعامل معها بالشكل الصحيح من خلال سلة المهملات والأماكن المخصصة، واستخدام أساليب التحفيز والتشجيع من جوائز وشهادات التقدير والنقاط في المدارس لتعزيز السلوكيات الإيجابية، وتشجيع المجتمع على التعاون للحفاظ على بيئة نظيفة، ودعم الطلاب. إقرار جائزة للجهود التطوعية بدورها اقترحت الكاتبة فاطمة الجوفان إقرار جائزة سنوية لمحاربي التشوه البصري من أفراد وقطاعات، وضرورة تفعيل العمل التطوعي، مع زيادة برامج الوعي سواء عبر سائل الإعلام المتعددة والمدارس والجامعات، وتشجيع طلاب وطالبات المرحلة الثانوية والجامعية على تحسين البيئة، في ظل تعاون ودعم من وزارة الشؤون البلدية والقروية. وأضافت «حتى نثر الأكل في بعض الحدائق والشوارع من أجل اطعام الحمام والحيوانات مؤذًا جداً ويتسبب في قذارة المكان، ولا نغفل الكِتابة على الجدران والمرافق العامة، وما نصادفه في استراحات الطرق في السفر التي تعطي انطباعًا متدنيًا عن فئة معينة في المجتمع، والجهات ذات العلاقة مقصره سواء في التوعية أو في فرض عقوبات، والرقابة الصارمة وكذلك التنفيذ». وشددت الجوفان على أهمية دور البيت، وتنشئة الفرد منذ الصغر على الممارسات الحسنة، وفي وجود أسرة تتحلى بمستوى عال من الوعي وحسن التربية «وبالتالي سيكونون قدوة جيدة بعدم تشويه أي مظهر جمالي أو نفعي في المجتمع، فالتشوية البصري لا يمت للحضارة والرقي بصله وليس بالفعل المقبول». ربط الوعي البيئي بالدين والآداب وشبّه المهتم بنبات نجد والبيئة خالد أبا بطين الوعي البيئي لدينا بالمريض وحاجته للإنعاش المكثف، عبر صناعة القدوات، ونشر الوعي بين فئات الأطفال والشباب وربطه بالدين والآداب، وترسيخ مبدأ المحافظة على البيئة مما يؤجر عليه المسلم. ويرى أبا بطين من الحلول « تفعيل الحوافز أسوة بالنقاط المكتسبة من شركة الاتصالات، ونحوها من قطاعات وشركات الخدمات، كأن يُعطى لكل من أحضر معه نفاياته لموقع محدد مسبقًا مقابل كل كيس 10 نقاط، ويستطيع من خلال جمع تلك النقاط الاستفادة منها في تخفيضات المشتريات أو تسديد الفواتير لبعض الخدمات، أو يكون له بعدد تلك النقاط أولوية في تقديم بعض الخدمات الحكومية، وفي سن الأنظمة المرنة في البداية والتي من خلالها كسب التعاون بين المتنزه وبين الجهة المسؤولة لها جدواها بحول الله». غياب الرقابة الصارمة بينما دَعت الكاتبة أمال الصويلح الى تعزيز الوعي البيئي في مجتمعاتنا «كون نقص الوعي إلى جانب غياب الرقابة الصارمة يؤديان إلى تفاقم المشكلة، فالتركيز على التثقيف البيئي من خلال حملات توعوية مستمرة تستهدف المدارس والمجتمعات، يعزز من إدراك الأفراد لأهمية المحافظة على البيئة، مع وجوب توفير بنية تحتية مناسبة تسهل عملية التخلص من المخلفات بطرق آمنة ومستدامة، بما في ذلك إنشاء مراكز متخصصة لإعادة التدوير، مما يسهم في تقليل النفايات وتعزيز الاستدامة». أما فيما يتعلق بتطبيق الغرامات بحق المخالفين، أيدت الصويلح هذا الإجراء كوسيلة فعالة للحد من التلوث والممارسات الضارة بالبيئة «فينبغي أن تُفرض الغرامات بآلية صارمة وواضحة، تتضمن الرقابة الميدانية، والاستعانة بالتقنيات الحديثة، مما يحقق الردع المطلوب ويحمي بيئتنا للأجيال القادمة». العقوبات رادع للمستهترين بالبيئة وتُرجع الكاتبة فوزية الشهري أسباب هذه الظاهرة الى جهل البعض بقضايا البيئة وافتقادهم لثقافة السعي الى بيئة نظيفة ينعمون بها، مشيرة إلى وجوب اكساب الفرد المهارات البيئية المختلفة منذ الصغر وتهيئته لحماية البيئة ومواردها وعلاج السلوك السلبي نحوها، مع تتبع وقياس تطور الوعي البيئي بين مختلف فئات المجتمع ومعرفة موطن الخلل لعلاجه. وقالت: «أجد في اقرار عقوبات ردعًا قويًا للمستهترين، والنأي بهم عن مثل هذه التصرفات الا مسؤولة، غير متغافلين عن جدوى المبادرات في نشر ثقافة المحافظة على البيئة، والوصول لهدفنا الرئيسي وهو حماية الارض والطبيعة واستدامة ذلك». بينما أكد المهتم بالبيئة ونشر الوعي البيئي الدكتور فرحان الجعيدي على اهتمام الحكومة بالبيئة وخاصة فيما يتعلق بالاستدامة «التي تأتي إحدى مستهدفات رؤية 2030 فكان انشاء وزارة للبيئة والمياه والزراعة وتنظيم العلاقات بينها وبين المواطن والمقيم في إطار قانوني وقطاع محوكم، وبالتالي أُنشئت عدد من المراكز الوطنية المنظمة لهذا العمل والمشرفة على تطبيق الأنظمة، ومنها المركز الوطني للالتزام البيئي والمركز الوطني لإدارة النفايات». وزاد «وكان أن أُقر نظام واستراتيجية تعنى بالبيئة، وسن العديد من التشريعات التي تسعى للحفاظ عليها، واصدار العقوبات الرادعة للمتجاوزين لهذه الأنظمة الساعية الي عيش المواطن والمقيم في بيئة صحية ونظيفة تعزز من جودة الحياة». أوجه الخلل البيئي. بدوره علّل الكاتب محمد صلاح الحربي تزايد ممارسة رمي المخلّفات إلى قصور في جوانب عدة «فمن ركام وعظ ٍلم يرسخ، وخلل تربوي يظهر في استهتار مشترك بين الأهالي، وترك مخلفاتهم أمام أولادهم، فيندر أن تجد منهم قدوة ويضع المخلّفات في حاوية مجاورة، وخلل في التعليم يتجلى منه في تهرب معلمين من تدريس مادة تُعنى بتقويم السلوك وهي مادة التربية الوطنية، وكما تطرقت له إحدى التحقيقات الصحفية، كونها مادة تُفعل الحس الوطني في نفوس الطلاب». وأضاف «رمي المخلّفات انعدام للحس الوطني، وطالما ليس لها من حلول دينية، ولا حلول تعليمية توعوية، ولا حلول أسرية أو مجتمعية، فأنا بالتأكيد مع حلول قانونية وتطبيق غرامات على مرتكبيها، وإمكانية تفعيل ذلك من خلال وضع كاميرات مراقبة في الشوارع وساحات المشي والحدائق». ومما أورده الحربي أنها ظاهرة تزداد، في ظل انعكاس واضح لتناقض كبير، بين الخطاب والفعل، وبين الشكل والتعامل «ففي نفس الوقت الذي نردد فيه الحديث الشريف إماطة الأذى عن الطريق صدقة، يُرمى الأذى في الطريق والحديقة والبر والبحر، لدرجة وفي ظل وجود لافتة النظافة من الإيمان على جدران المدارس، نجد أن التلاميذ أنفسهم يرمون المخلفات تحتها». الخطر المتربص بالبيئة البحرية وبيّن الغواص علي سعيد بايونس أن الجهود الشخصية من الغواصين مستمرة في تنظيف سواحل الشواطيء وقاع البحار وفي حكم استطاعتهم، ومن خلال حملات تشجيعيه من مدربيهم جزء لا يتجزأ من دورات تعليم الغوص للحفاظ على الحياه البحرية «وهذه المخلّفات هي نتاج استهتار المتنزهين ومرتادي الشواطئ، ومن ثم دفع الهواء لهذه المخلفات الى قاع البحر، إضافة الى مخلفات ممارسي هواية الصيد، وما تسببه خيوط السنارات من أخطار كبيرة خاصة على الغواصين انفسهم، ورغم جهود الجهات المعنية المستمرة بتنظيف الشواطئ، إلا أن الأمر يحتاج أيضًا الى توعية وتثقيف مستمر للمتنزهين اعلاميًا، والى وضع لوحات توعوية وارشادية وتحذيرية في جميع مناطق التنزه سواءً على البحر او البر، وفرض عقوبات تطال المستهترين أصحاب هذه الممارسات غير الحضارية». وحذّر الغواص الهاوي محمد إبراهيم الزهراني من استخدام البلاستيك في عمومه، كونه من أخطر المخلفات على الكائنات البحرية والبيئة على وجه العموم، فالحد من استخدامه من أبسط ما يقدمه الانسان للمحافظة على البيئة البرية والبحرية. وبيّن الزهراني «أن كثيًرًا من الشواطئ حاليًا تُحاط بحواجز لحماية بيض السلاحف على سبيل المثال، والتي تصنف من الحيوانات الأكثر ضررًا من المواد البلاستيكية، ودعوات من مهتمين بالعناية بالبيئة إلى عدم استخدام أكياس البلاستيك، واستبدالها بأكياس قماش صديقة للبيئة، واستبدال المصاصات البلاستيكية بمصاصات زجاجية او مصنوعة من السيليكون حيث مهيأة لإعادة تدويرها، بدلًا من الاتلاف بعد الاستخدام لمرة واحدة» وأفاد الغواص حسين أدهيم «رغم جهود الافراد والشركات حول المحافظة على البيئة البحرية، الا انها حملات ليست بتلك الجدوى ولا تعطي مفعولها المنشود في الوصول الى بيئة نظيفة، كونها حملات شغلها الشاغل الدعاية والاعلان، دون ايمان بأهمية المبادرة ودورها المهم في المحافظة على البيئة، فالخلل يكمن في غياب الوعي البيئي بمفهومه الصحيح مما يخلق صدمة كبيرة لدى المؤمن به والمتحمس، ويصيب باليأس». وكان مما دعا الية أدهيم « تنمية ثقافة المحافظة على البيئة، وترسيخ الايمان بها من خلال التحفيز والتشجيع وتكثيف حملات المحافظة على الطبيعة ذات الية منظمة وصادقة، سواء من خلال المدرسة وتناول مناهجها هذا الامر وبشكل احترافي، وخطباء المساجد وتسخير بعضًا من خطبهم عن الوعي البيئي، وإقرار القوانين والعقوبات الصارمة ضد المخالفين بيئيًا، مع توجيه المتنزهين إلى أفضل السبل للاستمتاع ببيئة بحرية أو برية نظيفة من المخلفات والتشوه». اهتمام حكومي وغياب مجتمعي وكان ان تواصلت مجلة اليمامة مع أمانة مدينة جدة، وسؤال عن المستجد من الجهود لمحاربة هذه الظاهرة، وجواب من المتحدث الإعلامي محمد البقمي مفاده «تستعد أمانة جدة حاليًا لبدء عقود النظافة الجديدة بمشاركة شركات رائدة ذات خبرة في مجال إدارة النفايات، والاستفادة من الدروس السابقة، وتعتمد العقود على مؤشرات قياس أداء حقيقية ترفع من مستوى أداء الخدمات، معتمدة على معايير عالمية ستقدم المستوى والنوعيات الأفضل من المعدات والأدوات الأكثر تطوراً، وذلك تحقيقاّ لرؤية السعودية 2030 ، المهتمة بتحسين جودة الحياة لسكان مدينة جدة». وذكر البقمي أن إستراتيجية تطوير أعمال النظافة تقوم على أربعة محاور هي : تطوير المنهجيات، الارتقاء بكفاءة الأداء، التدوير، بناء الشراكات، وستشتمل على الكثير من الإجراءات منها: تصميم البرامج التوعوية التي تساهم في رفعي الوعي المجتمعي، إضافة إلى تعزيز الشراكة والتكامل مع الجهات المعنية، للارتقاء بخدمات النظافة وتحسين المشهد الحضري، وتحقيق الاستدامة البيئية» مبينًا في ختام حديثه أن أمانة محافظة جدة تقوم بدور أساسي ومهم في أعمال النظافة وتحسين المشهد الحضري على الطرق، وفي الأحياء السكنية، والمرافق العامة والواجهات والحدائق، وغيرها من المواقع، ويشمل ذلك الاستجابة للبلاغات ومعالجة الملاحظات الواردة، لضمان توفير بيئة صحية وتحسين جودة الحياة للسكان والزائرين.