أنا والميتون الأحياء

ألقي نظرة متأسفة على الكتب المرجومة بعشوائية تحت الوسادة و تلك الأخرى التي زحفت من تحتها لتذكرّني بوجودها، ألتقط الأقلام المنزلقة من وسطها والفواصل العشوائية المدسوسة بين صفحاتها .. أرفع رأسي لأزيح عني ثقل المشهد فأجد حزمة أخرى من الكتب فوق أريكة الغرفة و أشيح بوجهي عنها فألمح رأس كتاب يطل من حقيبة متدلية من شماعة في زاوية الجحرة.. اين أهرب من خيبتي و تسويفي؟ أستلقي في سريري و نظري مصوّب نحو الكثير من الكتب )المنفية( بين أرفف مكتبتي.. يستند بعضها على الأخر و أظنهُ يشكو! سمعت أحدها يقول: بعد ما أحتضنتنا من بين عالمنا تحبسنا هنا؟ و رد الآخر: بقدر ما شعرت بالاصطفاء حينما حملتني بين يديها بقدر ما أشعر بالمهانة الآن! ثم رد ثالثهم: لقد قطعت لي وعداً بأني سوف أكون من أولى قراءات هذا العام! أظنها لم تقرأ سوى مأساتها تلك المتعجرفة. صوت مخنوق صرخ من بعيد: هل من أحد هنا؟ فلينتشلني… اتحدوا بينهم ليخرجوا كتاباً قد سقط خلف المكتبة ،سعل ثم قال: لقد كانت تعترف بوجودكم ولكم حيز مادي من حولها أما أنا فقد تهت منها إلى هناك و لم يفتقدني أحد! ترى هل تقتلعنا من أرضينا و تحبسنا هنا لتتبع الموضة؟ قال كبيرهم: لا أظن ذلك فهي لا تتباهى سوى بنفسها . رد أحدهم بعد ما مثل اللامبالاة طويلاً: لمَ لا ننتقم منها أثناء ساعات نومها؟ و رحت في نومٍ طويل لا أعلم على ماذا انتهى حديثهم لكني سمعت جلجلة أصواتهم ليالٍ عدة و أنا أغط في نوم المتعبين، و بين استفاقة و أخرى أتبسم لغضبهم! فقد سرّني أني أخذت منهم ولو الشي اليسير، فأنا أفهم ما يهمسون به! و يواسني غضبهم لأن وجودهم الصامت من حولي هو الشيء الذي يدفع عني وحدتي كيف وهم مشحونون بعاطفة الأحياء؟. و آٍهٍ لو يعلمون بأن أيامي تمضي مثقلةً بأمسي و غدي و أنا مسلوبةً منها، و كل ما أحبهُ منفي. أحمل ما أحببته وما حلمت بهِ وأسير طويلاً مغيبةً عنه، لأن هذا ما حالت عليه الأيام فلا صراع بعد الصراعات التي انقضت، فقد تكون الراية البيضاء هي نجاتنا لا الأحلام التي حلمناها ولا اللحظات التي تمنينا أن نحياها.