الإدمان الرقمي والشعور بالوقت.
عندما تسأل أحدهم هذه الأيام عما حققه من إنجازات في يومه فقد يكون رده المعتاد أنه لا وقت لديه لعمل شيء. •إذن ما فعلت؟ •في البيت (أو قد يقول في الاستراحة) أتفقد جوالي أو جهازي الذكي. •كم أخذت من وقت؟ •من بداية المساء إلى منتصف الليل! يقول لك ذلك غير واع بأنه قد قضى نحو خمس أو ست أو سبع ساعات على جهازه يفعل (لا شيء). لا شيء بالفعل غير أنه يتابع ما يفعل فلان وما قاله فلتان، أو أنه يشاهد بشغف كيف يقضي أحد المشاهير وقته في ذلك المساء، أو ما يقوله تافه يستأكل بتفاهاته؛ يتكلم ولا يقول شيئًا! وهذه الأوقات المهدرة تذهب سدى لدى كثيرين ممن لا يشعرون بمرور الأوقات لديهم التي هي جزء من أعمارهم. وهي نفس النتيجة التي توصلت إليها دراسة، بل دراسات، تقول إن الإدمان الرقمي يؤثر في الوظائف الإدراكية للإنسان، ومنها إدراكه للوقت أو المدة الزمنية التي يقضيها في الإنترنت وفي أمور أخرى. وتشير بعض هذه الدراسات، التي تشمل أمورًا إدمانية أخرى أيضًا لا الإنترنت فحسب، إلى حصول ما يمكن تسميته “اضطراب الوقت” لديهم حسب دراسة تحت عنوان (استكشاف التفاعل بين الإدمان وإدراك الوقت: مراجعة منهجية)، جاءت في موقع (sciencedirect.com). ويعني اضطراب الوقت فيما يعنيه عدم الشعور بمرور الوقت، وذلك نتيجة الاندماج اللاشعوري فيما يُدمَن عليه، ومنها ما نعنيه هنا؛ وهي وسائل التواصل الاجتماعي. ويأتي هذا الاندماج- حسب دراسات أخرى- نتيجة مباشرة لهذه البرامج والتطبيقات التي صممت بطريقة تدفع نحو إدمانها. وحين نعلم أن سكان الأرض يقضون قرابة 14% من فترات يقظتهم اليومية (أي نحو 12 مليار ساعة يوميًّا) في وسائل التواصل، حينها نعلم كم من الأوقات تضيع في أمور فائدتها قليلة (إن وجدت). وفي المملكة تقول بعض الإحصاءات إن مستخدمي وسائل التواصل يقضون فيها (عام 2024م) نحو ثلاث ساعات وعشر دقائق كل يوم، وهو ما يجعلها من قائمة أعلى 10 دول عالميًّا في استخدامها. ولا نريد القول هنا إن وسائل التواصل الاجتماعي بلا فائدة، لكن هذه الفائدة لا يمكن مقارنتها البتة بالوقت المهدر في تصفحها ومتابعتها، كما لا يمكن- من باب أَولى- مقارنة فوائدها بالفوائد المفترضة للإمساك بكتاب (ورقي أو رقمي) وقراءته، وما يعكسه ذلك من مردودات ثقافية ومعرفية وعلمية ونفسية واجتماعية مما سبق أن أشرنا إليه في مقالات سابقة. *دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَه إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني – الشاعر أحمد شوقي