قصة قصيرة

تأويل

ضجيج الأنوار تسقط على جسدي المتعب، كنت أعي ما حدث لكنني فقدت قدرتي على النهوض من سقوطي المدوي، رصاص طائش، صراخ أطفال، وبكاء الجارات اللواتي نزلن درجة من التعاطف حتى بكين على رأسي كميتة. كنت أشير لهن بعينين شاحبتين، ثابتتي النظرة، أرى من خلالها معركة أمس، لأولئك الذين يبلعون السأم والسقم من البيوت القروية، تتضح صورة من يصوب سلاحه على جسدي، الذي تلذذ بقتلي دون علم لماذا قتلني، واستباح دمي؟ كنت أتنفس، في غيوبة من صور تحدق فيّ، وتعشعش في كلماتي، أمي الصورة الغائبة التي حضرت بكثافة في ترددي، سألتهم عن أمي، الميتة قبل خمس سنين، فرحوا بصحوتي، لكنني سمعتهن يرثين عقلي الذي قد سُلب، مسكينة فقدت عقلها، ألا تدري أن أمها قد ماتت منذ سنوات. طعم الدم في فمي، يوفر عليّ أجوبة كثيرة، لكن من غريمي بالله، أقف بسرعة، فأترنح، دمي يسيل على فخذي، دون حياء رفعت ثوبي الملطخ بالدم، حياتي قد سُلبت، دمي ينشج فأمسك مكان الجرح وأمشي. وصلتُ إلى البيت، كانت آثار معركة الشارع قد وصلت بيتنا، أُحدث نفسي أنه ربما شجار بين زوجين متخاصمين، بين عدو أجهله وشخص ربما ارتكب حماقة ما، أمي وأبي في أيام مضت لم يكونا متفاهمين، أنا الوحيدة التي ضعت في الحياد، غادرت أمي البيت، لكن موتها لم يكن لي به علم. أبي استقال من عمله، هرب للمدينة دون أن يودعنا، في ليلة لا ضوء للقمر فيها، ووسط بكائي الحار، أدار ظهره وبيده مسبحته، كنت أتوسل إليه أن يعطيني إياه، قلت له “أعطني شيئًا من رائحة الابوة” سقطت دمعاتي، وتذكرتُ خرزات سبحته التي تناثرت في الأرض بعد فوات الأوان. أجلسُ في الصالة، هناك من يدق بابي، دمي قد نشف، ضغطت على نفسي لأقوم وأفتح بابي، كانت جارتنا التي تربي تسع قطط، تطلب مني أكلا لتطعم حيواناتها، كنت أنظر لها باستغراب، من أين أتت بهذه الجرأة، أين عقلها، وهل تدري ما الذي حصل في قريتنا؟ سألتها قالت لا أدري، لكن قططي جائعة، فأقفلت الباب. ليس حلمًا، أعي ما حدث بالضبط، سارقو الأحلام قد سطوا على أهلينا بعد أحلامنا، سرقوا متاعنا، طفولتنا، حولوا قريتنا لرماد، قضوا علينا برصاص غادر، حولوا جسدي لبقعة دم جافة بعد ذهابهم، يتموا ليلتهم التي حَلُم فيها الجميع بالأمل.