من السريالية إلى الصورة العميقة:

تحول اللغة والخيال في الشعر الحديث.

الفوضى والتعقيد في مفاهيم اللغة تتحدى مفاهيمنا في ترويض الخيال اللغوي، ومنه بطبيعة الحال ينشأ تجدد فكري مع طبيعة التطور وهو ما يخلق نوعاً من الهوية اللغوية تحت عدة نطاقات أكثر تعقيدًا مما نتصور. كان الشعر التصويري العميق جزءًا من الشعر الجديد الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية ,ولا يشير العمق في الشعر التصويري العميق إلى محاولة ما للوصول إلى العمق السياسي أو الفلسفي للشعر، بل إلى اتجاه الرؤية بلغة (نبوية) من مبدأ النبأ الجديد وهو يشير إلى جوهر الشعر الذي يسبر مواطن الحس من أجل التعبير عن الوجودية و تحويلها الى واقع جديد, وعمق الصورة هو مقياس مدى قدرتها على توفير رابط بين العالمين الداخلي والخارجي , وتوجيه الصورة العميقة للشعر لتحويل العالم المدرك في اللغة وربط المدركات , ومن ثم الوحدات الأساسية للإدراك وانطباع الحواس في العقل كصورة بالإدراك المجسد . يشير مصطلح “شعر الصورة العميقة” إلى القصائد التي أنتجتها مجموعة فضفاضة من الشعراء المنتشرين جغرافيًا عبر الولايات المتحدة تحديدًا على مدى فترة شملت معظم الستينيات الى أواخر السبعينيات وما ميز شعر الصورة العميقة عن أشكال الشعر المعاصرة الأخرى هو ان شعراء الصورة العميقة حاولوا تجنب الشعر الفلسفي المصقول للغاية لصالح الشعر الذي يعبر عن فوضى العالم النفسي. ونظراً للأشكال المتعددة للفوضى النفسية فلا وجود لقصيدة صورية عميقة نموذجية ومع ذلك فإنه مثلاً يأتي وصف الليل في قصيدة الشاعر الأمريكي روبرت كيل” هذه الليلة” كوصف نموذجي للتداخل بين العالم الداخلي للنفس والعالم الخارجي و في هذه الحالة تم تغطية فكرة أو شعور الليل وتحويلها إلى شيء داخلي يمكن أن يوجد في الخارج لكنه لا يزال تجسيدًا مرتبكًا. وتستمد “هذه الليلة” حياتها من الحياة الداخلية للشاعر وتوفر نتيجة لذلك مدخلًا حيا عن طريق الليل والقصيدة إلى العالم الداخلي للمتحدث. كان الشعراء الأفراد يكتبون قصائد يمكن تسميتها بشعر الصورة العميقة لسنوات، ولكن لم يكن من الممكن التعرف عليهم كمجموعة واضحة ولم يكن هناك حدث واحد يمثل نهاية شعر الصورة العميقة ولكن مع تقدم السبعينيات أصبح المصطلح أكثر انفتاحًا على المحاكاة الساخرة ولقي استنكارًا متزايدًا من النقاد الذين شعروا أن الأساليب والموضوعات والنغمات السابقة للشعر أصبحت سطحية ومبتذلة. عبر الشاعر روبرت بينسكي عن هذا الشعور في كتابه (حالة الشعر) الذي انتقد قصائد الصورة العميقة العشوائية والتي كانت في ذلك الوقت معيارًا في الكتب والمجلات المعاصرة، و على الرغم من أن هذا النقد كان بمثابة ضربة حاسمة لأولئك الذين ما زالوا يعتبرون أنفسهم شعراء صورة عميقة في أواخر السبعينيات فإنه لم يكن هناك بيان واحد معترف به يحدد شكل شعر الصورة العميقة التي تتبناها الحركة. وبما أن الشعر التصويري العميق لم ينشأ لأسباب أيديولوجية أو برامجية فقد كان بإمكانه أن يتضمن بسهولة مجموعة محيرة من الأساليب والمحتوى، وحتى الأفراد، أصبح الشعراء شعراء صورة عميقة بالارتباط والتفكك ايضاً ونشأت المجموعات المتعددة خارج مفهوم الحركة الشعرية فأصبح اتجاه المجموعات وتحديد عضوية الحركة حتى في نقطة زمنية معينة أمرا بالغ الصعوبة. و من المهم أن نلاحظ أن المجموعات كانت تتألف من شعراء منفصلين من الشعراء الذين تقاربت أفكارهم وكتاباتهم وأفكارهم ولم يكونوا أعضاء في مجموعة واحدة انقسمت بسبب خلافات محددة , كان لكل مجموعة مجلة خاصة بها لكن الشعراء في كل مجموعة كانوا يكتبون ويتحدثون ويساهمون بأعمال بعضهم البعض بانتظام , كانت أولى هذه المجموعات هي السريالية  و من المهم أن نلاحظ أن المجموعات كانت تتألف من شعراء منفصلين ومجموعات من الشعراء الذين تقاربت أفكارهم وكتاباتهم وأفكارهم ولم يكونوا أعضاء في مجموعة واحدة انقسمت بسبب خلافات محددة , كان لكل مجموعة مجلة خاصة بها لكن الشعراء في كل مجموعة كانوا يكتبون ويتحدثون ويساهمون بأعمال بعضهم البعض بانتظام , كانت أولى هذه المجموعات هي السريالية الجديدة وفي مخططهم يُعَد شعر الصورة العميقة محاولة لجلب التجربة الشخصية بشكل محدد والتجربة الخارجية بشكلها العام إلى التواصل باستخدام الصورة النبوية , وقد أظهر شعرهم اعتقادًا رمزيًا بأن العالم الخفي يمكن إدراكه من خلال مظاهره الخارجية وأن الصورة التي توحد ما بين التجربتين الداخلية والخارجية يمكن العثور عليها داخل ملاحظات المرء الخاصة. تشكلت بعد ذلك حركة للصورة العميقة للشعر من خلال مجموعة أخرى اكثر الماما من مبدأ السريالية  , اذ وفر منتدى مركزي موحد للشعراء وتجاربهم مفهوم حركة الصورة العميقة , كانوا يقدمون قراءة نقدية بجانب النصوص الشعرية لكنها اكثر انتقائية من السابق والتي انقسمت بداخل العشوائية للتجربة وانتهجت مبدأ أن الصورة مرتبطة ارتباطًا بالمادة اللغوية ومتى ما تحركت الفكرة الشعرية المحسوسة من الداخل للخارج فإنه لابد لها من ضوابط لغوية كصفات النبأ ,  لقد شعرت هذه المجموعة بأن الشعراء المعاصرين كانوا غارقين في القواعد لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على إدراك قوة الفكر وهذا ما حسن من حركة الصورة العميقة للشعر ونبذ دخلاء محدثين يسيئون للتجربة . وكجزء من اهتمام الصورة العميقة للشعر بالارتباط النفسي بالعقل، تأثر الشعر العميق بالصورة بشكل كبير بالمفكرين والكتاب والروحانيين وتعامل بجوهر القصيدة النبوية والتي مارسها اكثر “مجموعة الصورة الشعرية للسرياليين” التي قفزت اكثر لمواضيع الحرب والفلسفة , كانت حركة الصورة العميقة معاصرة تقريبًا للحرب واسقاطاتها العقلية وأصبحت متورطة في العديد من جوانبها اذ أدت الاحتجاجات والتغيرات الاجتماعية المحيطة بنهاية الحروب إلى تحويل ممارسة شعراء الصورة العميقة الى رواد بطرق تختلف من واحد إلى آخر , وبينما انتقل هؤلاء الشعراء إلى اتباع مساراتهم الأسلوبية والسياسية المتباينة ، تُرِك الشعراء والشعراء المشتقون لمواصلة شعر الصورة العميقة , ومع انتهاء الحرب كانت هناك حاجة إلى نموذج جديد للمجتمعات لتحويل اللغة الى اكثر من نطاقها الممنهج الى شعراء ميتافيزيقيين وهي دلالة لقصيدة الشاعر تي اس اليوت ( الشعراء الميتافيزيقيون ) وتعني التأثيرات التي تؤكدها شهادة الشاعر نفسه في رسائل معاصرة ومقالات لاحقة عن الأدب وأن الشعر يمكن انتاجه من المشاعر المشتركة والاستخدامات غير الشائعة للغة والنبرة , وحيث ان المفهوم الميتافيزيقي كان من المرجح ان يدخل في السياقات الفلسفية اكثر منها في السياقات الأدبية وبالتالي الشعرية لكن محور التجدد مع المفهوم الجديد يأخذ المفهوم الى جذوره الأولى في الخلق ومن ثم تكوين واقع جديد متخيل , ويمثل قضية الخوف من كونه يفعل وبنفس الوقت لا يفعل او يغير شيئا وعلى هذا فإن السؤال حول ما يفعله الشعر الميتافيزيقي في الواقع هو ما يشغل انتباه إليوت إلى الحد الذي دفعه إلى صياغة مفهوم نقدي رئيسي من خلال تأملاته التي أطلق عليه اسم انفصال الحساسيات.   نُشرت مقالة إليوت عن الشعراء الميتافيزيقيين كمراجعة لمجموعة مختارة من الشعراء , كان إليوت يريد التأكيد على معارضته لملاحظته الخاصة بأن الشعر الميتافيزيقي كان منذ فترة طويلة مصطلحًا إما للإساءة أو السخرية الرافضة، حيث بدأ بالزعم بأنه من الصعب للغاية تحدي النوع الدقيق من الشعر الذي يشير إليه المصطلح ومن الصعب بنفس القدر تحديد ممارسيه, وهو ما جعل جماعات صورة الشعر العميقة ترى الأمر من خلال استهداف المفهوم وتجريده وتجديده من خلال المقارنة بالتكثيف في مجاز لغوي الى اقصى ما يمكن ان تصل به اللغة الى جذر يجمع العقلانية باللاعقلانية وجعلها مادة شعرية قابلة للتطبيق ولا تكون مفاجئة للقارئ والتي ربما تتسم بها مشاكل اللغة الميتافيزيقية وهي الغرور المفرط في اللغة والتي تضع ممارسيها يضعون قدمت واحدة في عالم ملاحقات الجسد التصويرية والقدم الأخرى في عالم الروح وهذه التجربة اللغوية ليست متاحة للجميع لتقديمها كمحور يريد التأثير بنوع حركته الجديدة ولكنها تتبع سمات لها نوع من التباين العنيف في توجهاته , ومع ترويض اللغة هنا فإنها تكون قابلة للتجديد بداخل نهج الشعر التصويري العميق وقد تكون مصدرا حيويا في اللغة ولها درجة من التباين في المواد الفكرية التي تتحد بفعل عمل عقل الشاعر وتكون موجودة في كل مكان في الشعر وهذا يعني في عموم الأمر أن هؤلاء الشعراء يجعلون من الجمع بين المتباينات جوهر كتاباتهم والإخلاص الذي يؤدي إلى تنوع الفكر والشعور فضلاً عن موسيقى اللغة و على هذا الأساس  تكيف الشعر الميتافيزيقي في التوفيق بين هذين النقيضين من التعبير الشعري، الفكر والشعور، والقواعد النحوية والموسيقى اللغوية وبذلك تحقق التوازن بين الشعور والفكر وبين العقلانية النبوية والميتافيزيقيا اللاعقلانية في صورة الشعر العميقة . *كاتبة ومترجمة.