سوريا في عاصمة القرار العربي.

بمشاهد العناق بين سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفخامة الرئيس السوري أحمد الشرع، والتي أبهجت الشعبين السعودي والسوري، تُعانق المملكةُ سوريا في مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، ومنعطف بالغ الأهمية، لتؤسس لعلاقة متينة قوامها التاريخ الطويل المشترك بين بلدين وشعبين يتداخلان بعمق وامتداد موغل في كل شيء. حين صرّح الرئيس السوري أحمد الشرع في لقاء تلفزيوني سابق لقناة العربية قبل أسابيع قليلة بأنه «يشعر بشيء من الهوى تجاه المملكة»، فقد صادق على كلامه بأن جعل أولى زياراته الخارجية لعاصمة القرار العربي؛ إدراكاً منه لمحورية الدور السعودي وأهميته في المنطقة والعالم، فضلاً عن ارتباطه الوجداني (بشكل شخصي)؛ حيث ولد وترعرع في الرياض، ومؤكد أن المملكة تشكل جزءاً كبيراً من ذكرياته وتكوينه. وقد أصبحت المملكة كذلك، قِبلةً أولى لمعظم الرؤساء والزعماء في أولى زياراتهم الخارجية، وها هو الرئيس الأمريكي أيضاً يقول إنه سيجعل أولى زياراته إلى المملكة ، ولو رجعنا بالذاكرة للوراء، فإن الرئيس أوباما أيضاً في 2008 كان قد جعل أولى زياراته للشرق الأوسط تبدأ من المملكة أولاً، ثم مصر التي ألقى فيها خطاباً كان يقول حينها إنه موجه للعالم الإسلامي. هذا برغم الفارق الكبير في السياسات والأجندات بين أوباما وترامب، لكنها المكانة العميقة للملكة كلاعب مهم على الساحة هي التي تحكم بصرف النظر عن انتماءات أي رئيس جديد. الزيارة الأولى للسيد أحمد الشرع للمملكة حظيت بمتابعةً واسعة الانتشار كأكثر الزيارات أهمية، بدليل انتقادات كثيرين ممن يجهلون البروتوكولات المتبعة في مراسم الاستقبال في المملكة؛ حيث اتضح أن هناك من تابع لأول مرة استقبال المملكة لرئيس دولة. ولكن الجدير بالذكر أن أهمية زيارة الرئيس أحمد الشرع تكمن من كونها تلفت الانتباه لدولة ينتظر من قيادتها الجديدة أيضاً الكثير من العمل، كما تكمن أيضاً في كونها (أولى) وإلى المملكة، وبالتالي كيف ستتشكل هذه الثنائية جيوسياسياً للدولتين معاً؟ وكيف سيكون شكل التعاون بينهما؟ وما أثر ذلك على المنطقة؟ عن الأسئلة السابقة فقد عبّر السيد أحمد الشرع عن شكره للقيادة السعودية على كرم الضيافة، وأعلن عن تعاون مرسوم بين البلدين في كثير من المجالات الخدمية والأمنية والتقنية وغيرها، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون من آمال بعد عقود طويلة من الإرهاق واليأس. أما الأثر المثمر على المنطقة، فها هي سوريا الجديدة قد أصبحت إضافة بالغة الأهمية لدول محور الاعتدال، مما يجعل الوعد الذي أطلقه سمو ولي العهد عن (أوروبا الجديدة) و(الشرق الأوسط الجديد) قد بات من الآن على المسار الصحيح لتحقيقه واقعاً بإذن الله.