المتقاعد المقيم

يعبر كثير من المتقاعدين عن حِيبَتِهم(أي: سوء حالهم) بجناس شهير “المتقاعد: مت قاعد!”، وهو يشير -فيما يشير إليه- إلى أن دابة الأرض(غلاء المعيشة) تأكل منسأة توكئهم( رواتبهم)؛ ففي أي لحظة قد يسقطون ويخرّون(الإفلاس). ولم أكن أدري أن مشاكل التقاعد تتجاوز المواطنين حتى أقّلني ذات ليلة العم الأستاذ: أبو عمر ، وهو رجل هادئ الدم قد وخطه الشيب وبدأت التجاعيد ترسم خريطتها على وجهه؛فبثني ما أمض الفؤاد: أنا معلم رياضيات، لم أخدم في بلدي الأم ساعة من نهار، إذ بدأت مسيرتي في العمل التعليمي هنا، وهنا لبثت ثلاثين سنة شمسا تنطح شمسا، ثم ماذا؟ - ثم ماذا يا أستاذ؟ - حصلت على سبعة وثلاثين ألف ريال هي مكافأة نهاية الخدمة. - يارجل!! ( ١٠٦٢٠ يوما× المؤسسة العامة للتقاعد= ٣٧٠٠٠ ألف ريال!!) أظنها معادلة جديدة من المعادلات التي ليس لها حل في الرياضيات!! - وأزيدك من المعادلة سالبا!! - وهل هناك سوالب أخرى؟! - نعم؛ ليس لي راتب تقاعدي!! أعطوني هذه المكافأة وفتحوا لي بابا يسع جملا؛ وهأنذا الآن بلا مصدر دخل، ورزقي على هذه السيارة التي بالكاد تحمل نفسها. - وبلدك ألا يعطونك معاشا لتعيش؟! - قد قلت لك أني لم أخدم فيه ساعة بتوقيت عاصمته،وقد راجعتهم فجَبَهُوني بهذا؛ فأنا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. إنه ليس من العدل والإنصاف أن تظل عقدة هذه القصة دون حلّ يعطي لهذا الرجل وأمثاله أدنى حقوقهم وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة وطننا، وأدوا المهام والواجبات التي استقدموا لأجلها. وبما أننا نعيش في طفرة من القوانين والتشريعات التي تضمن الحقوق للمواطن والمقيم على حد سواء، أتمنى التشريع لمثل هذه الحالات التي لا يستبعد أن تتكرر في بلد ٣٨%من سكانه مقيمون، ولا أرى أن خوف التغيير الديموغرافي مبرر لهضم الحقوق على النحو الذي رأيناه في قصة العم أبو عمر، وإذا أصر المسؤولون على الاستمرار وفق نهجهم هذا فعلى الأقل يسن ما يلزم البلد الأم قبل استقبال مواطنيه بدفع المعاش التقاعدي لمن يتقاعد منهم في المملكة، وهذا سيسهم بشكل كبير في حفظ الحقوق، وسيصنع نوعا من التوازن بين البلدين في تحمل المسؤوليات تجاه من يعيش أعْرَافيًّا بين الأوطان