من طرائف بدايات الصحافة في البحرين.

كان الكاتب والمؤرّخ البحريني “خالد البسّام” رحمه الله مُهتمّاً بتاريخ البحرين والخليج بصفة عامّة، وقد أصدر مجموعة هامّة من المؤلّفات بهذا الخصوص، ومنها: “تلك الأيام”، “رجال في جزائر اللؤلؤ”، “القوافل”، “حكايات من البحرين”، “يا زمان الخليج”، “مرفأ الذّكريات”.. وغيرها. وقد رجع “البسّام” في كتاباته التاريخية إلى مئات الوثائق والمُراسلات القديمة، ومنها الملفّات المحفوظة في “مكتب الهند” بالمكتبة البريطانية في “لندن”، ويصف تلك الوثائق بقوله: “كان الصمت يلفّ تاريخاً بكامله في تلك الأوراق الثمينة، التي تُتيح للمرء أن يُطلّع على أحداثٍ مضتْ، وحكاياتٍ طواها الزمان، لكنه لم يمحُها قطّ من ذاكرة تلك الوثائق”. ومن المواضيع التي تستحقّ التوقّف والتأمّل: الصحافة البحرينية في بداياتها، وبعض الأحداث والطرائف التي دوّنَتها على صفحاتها، وعكستْ بعض تفاصيل الحياة في تلك المرحلة المُبكّرة. فقد عانت البحرين، ولفترة طويلة من الزمن، من مشكلات اجتماعية، ساهم في حدوثها واستمرارها الجهل والأُميّة في ذلك الوقت. ومثالٌ على ذلك، الخبر الذي نشرته جريدة “القافلة” في شهر أكتوبر من عام 1954، وكان كالتالي: “أرسل أحدهم نهار أمس ورقة طلاق إلى زوجته في مستشفى (الحكومة)، لأنها ولدتْ بنتاً وليس ولداً! وقد استلمتْ المسكينة ورقة الطلاق، ولم يمضِ على الولادة أكثر من 6 ساعات”! أما الصحفي “عبدالله الزايد”، صاحب أول جريدة تصدر في البحرين وهي جريدة “البحرين”، وكان أيضاً صاحب أول مطبعة، فقد كان صديقاً للشاعر “عبدالرحمن المعاودة”، وهو صاحب مدرسة أهلية مرموقة.. وكان الصديقان من أبرز مُثقّفي البحرين في فترة الثلاثينيات والأربعينيات. وكانا يواجهان مشكلات كثيرة في أعمالهما، فقد كان الأول يُعاني من شُحّ الورق بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، ونقص الأيدي الفنية الماهرة، ونقص المال بالطبع، كما أن الثاني يُعاني أيضاً من مشكلات مالية تواجه المدرسة، تصل في بعض الأحيان إلى عدم استطاعتها دفع أجور مُدرّسيها. وفي أحد الأيام دخل “المعاودة” مبنى المطبعة، وقبل الدخول على مكتب صديقه، طلب من العُمّال أن يُردّدوا هذه الأرجوزة، قبل أن يختبيء عن الأنظار: المطبعة تبي رجال .. تبي عمل تبي مال وعندما سمع “الزايد” هذه الأصوات، عرف من وراءها، فطلب من عُمّاله أن يُردّدوا: والمدرسة تبي استاد .. ما يحطّ راسه على وساد! وكانت صفحة (صندوق البريد) في جريدة “القافلة”، أكثر صفحات جرائد البحرين في الخمسينيات شُهرةً وطرافةً على الإطلاق، إذ كانت الجريدة تُجيب على أسئلة القُرّاء في تلك الصفحة. ففي شهر أغسطس 1954، أرسل قاريء (خفيف الدّم) للجريدة يرجو الإجابة على أسئلته التالية: “كم رسوم الالتحاق في جامعة (الدول العربية)، وما هي العلوم التي يُدرّسونها!؟ ومن هم الناطقون بالضاد، ولماذا لا تنشرون صوَرهم في الجريدة كي يعرفهم الناس”!؟ أما إجابة الجريدة على كلا السؤالين فقد كانت باختصار: “العلمو نورن”! وبعد انتعاش الصحافة وتطوّرها، ازداد عدد القُرّاء والمُعلنين، وامتلأت صفحات الجرائد بالإعلانات التجارية. وفي مارس 1954، اعتقد بعض القُرّاء أن جريدة “القافلة” تنشر الإعلانات بالمجّان، فكتبوا إليها مُتسائلين: “لقد كتبنا لكم منذ أيام، نطلب منكم أن تُعلنوا عن محلّنا للصناعة وتركيب الزّجاج، ولكنكم تجاهلتم ذلك، فهل رميتم رسالتنا في سلّة المُهملات”!؟ وكان ردّ الجريدة: “وهل تحسبوننا نُعلن لوجه الله تعالى!؟ وعلى كلّ ها نحن نقبل ذلك”! وعندما انتشرت أجهزة الراديو، وزادت أهميّتها وتأثيرها على تفكير الناس وأذواقهم، نشرت جريدة “القافلة” في عام 1953 خبراً يقول: “حدث ثاني أيام العيد اشتباكٌ بالأيدي بين أهالي قرية (المالكية) جُرح على إثرها شخصان.. أما سبب المعركة فهو راديو، كان صاحبه يرفع صوته في أوقات الصلاة، فأُرسِل إليه شخص يطلب منه أن يُراعي شعور الآخرين، ولكنه رفض بشدّة وانهال على الشخص المُرسَل بالضرب، فاتّسعت رُقعة الشّقاق مما أدّى إلى تدخّل الشرطة في القضيّة، حيث ساقت المُعتدي إلى السجن برهن التحقيق”. وأخيراً، فعندما طُرحتْ فكرة تعليم الفتيات في البحرين في نهاية العشرينيات، قوبلتْ بالاعتراض الشديد، ولكن بمرور الوقت اقتنع الأهالي بضرورة تعليم الفتيات، وافتُتحتْ أول مدرسة في عام 1928. وبعد أكثر من عشر سنوات، أي في عام 1939، نشرت جريدة “البحرين” رسالة جميلة ومُعبّرة، من طالبةٍ تشرح فيها شعورها وسعادتها بحصولها على التعليم، وكتبت الطالبة: “أنا أكتب، أنا أقرأ، أنا أُرتّل القُرآن الكريم، أنا أُنشِد الأناشيد.. ما أجمل شنطتي وهي تحوي كُتبي ودفاتري، ما أبدع الإبرة في يدي أُصوّر بها الأزهار والورود نسيجاً على القماش، أو أحيك بها مِعطفاً صغيراً لأُختي الصغيرة، أو جراباً لأخي.. كم أنا فخورة عندما أعود إلى المنزل لمُراجعة دروسي وحلّ التمارين..”.