صلاح لبيب الشاهد..

ذكرياتي في عهدين.

هذا كتاب بقي عندي ينتظر القراءة فترة طويلة، ولسبب لا أذكره عثرت عليه فاستوقفني، كثير مما في الكتاب رأيته طريفا لأول وهله، ثم راجعت نفسي، وراجعت ما أعرف عن حالنا اليوم، ويومذاك، فوجدتها من المضحك المبكي. المؤلف صلاح الشاهد عمل مسؤولا للتشريفات في العهدين الملكي والجمهوري في مصر، فقد عمل في عهد الملك فاروق مع رؤساء الوزارات التالية أسماؤهم: النحاس باشا، نجيب الهلالي، إبراهيم عبد الهادي، النقراشي، حسين سري باشا، وعلي ماهر، ثم مع محمد نجيب وجمال عبدالناصر في العهد الجمهوري كما عمل ثلاث سنوات مع الرئيس السادات وقد استعفى عام ١٩٧٣ ولكنه لم يذكر شيئا عن فترة عمله مع السادات ولكنه مدحه في أكثر من موضع. وهو يهدي الكتاب إلى أرواح الزعماء العظام الذين عمل في ظلالهم، وتركوا ظلهم على مصر، وإلى المؤرخين الذين جعلوا من عمالقة مصر أقزاما، وإلى الكتبة الذين صنعوا من الأقزام عمالقة. بدت لي الجملتان الأخيرتان متعارضتين على نحو ما، وقد أنهيت الكتاب ولم اعرف من يقصد، فهو يحبهم جميعا وقد أخلص لهم جميعا، ولم يكن موضع شبهة عند أحد منهم. يتصدر الكتاب رسائل شكر على إهدائه نسخة من الكتاب لكل من الملك خالد والملك فهد والملك حسين والملك المغربي الحسن. ويبدو أن هؤلاء هم القادة الذين التقاهم والذين بقوا على قيد الحياة عند صدور الكتاب عام ١٩٧٦ للميلاد. وأول ما وقفت عنده كان صدوره عن مكتبة الأسرة، ومشروع مكتبة الأسرة مشروع حكومي مصري رائد رعته السيدة سوزان مبارك، وأصدر عددا كبيرا من الكتب المهمة، وأذكر أنني قرأت نسخة كتاب الدكتور عبد الوهاب المسيري (سيرة غير ذاتية وغير موضوعية) وقد صدرت من مكتبة الأسرة قبل أن تصدر رسميا عن دار الشروق. صدرت هذه الطبعة عام ٢٠١٤ بعد انتهاء عصر مبارك، وفي المقدمة التي كتبها الأديب إبراهيم أصلان رحمه الله، أشار إشارة عابرة إلى أن المشروع حظى برعاية “زوجة الرئيس السابق” حين بدأت لأول مرة في عهد الدكتور سمير سرحان كمشروع للهيئة المصرية العامة للكتاب، ولكنه فصل في ذكر أن هذا المشروع جاء اقتراحه أول مرة من الكاتب توفيق الحكيم، الذي كتب أنه حلم أن مجموعة من الحمير التي تشبه حمار الحكيم، كانت حميرا نظيفة مطهمة يجر كل منها عربة كارو جميلة محملة بالكتب ميسرة الثمن، تقف العربات على رؤوس الشوارع، وباحات المدارس، لتكون الكتب في متناول القراء، ويبالغ أصلان فيقول إن للحكيم وحده حق الريادة منذ ذكر حلمه في مقابلة أجريت معه في بداية الستينيات. كما يشير إلى أن المشروع حظي مع وجود “زوجة الرئيس السابق” بدعم مؤسسات كثيرة، وأن هذا الدعم قد انتهى بنهاية ذلك العصر، ولذا فإن مهمته في المرحلة الجديدة أصبحت تستدعي الكثير من الانتقاء، وهذا بالطبع يعنى إصدار عدد أقل من المطبوعات. وهذه المقدمة أبرع مثال على تغير الأحوال. بين فيصل وعبد الناصر: يتحدث الكاتب عن ود كبير جمع بينه وبين الملك فيصل، يذكر أن الملك فيصل قد وصل إلى القاهرة في طريقه إلى تونس على رأس وفد للتهنئة بمناسبة الاستقلال عام ١٩٥٨ وكان فيصل وليا للعهد آنذاك. وقد أبلغ السفير السعودي عبد الله الفضل صلاح بأن الأمير فيصل يرغب في زيارته، يذكر صلاح أن فيصل كان يحبوه بهذه الزيارة كلما مر بالقاهرة. وصل الأمير فيصل وكان معه الأمير متعب بن عبد العزيز الذي يقول صلاح إنه أخ لم تلده أمه. كان من المفروض أن صلاح سيحضر مأدبة عشاء يقيمها الرئيس عبد الناصر تكريما ل داج همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، ولكن حديث الأمير فيصل امتد ساعات ونسي صلاح موعد عبد الناصر، يقول صلاح عن فيصل “ كان رقيق العبارة، جميل الإشارة، عف اللسان، مترفقاً بمن يتحدث معه، عطوفا على من يسمع، عاليا كالنسر فوق القمة الشماء، ولم استطع أن أقاوم سحر الحديث، كان أشبه بخلفاء المسلمين في العصور الأولى للإسلام، و قال إنه يكره حياة القصور، ولا يطيق أن ينزل بقصر القبة، وطلب مني عند عودته من تونس أن يحجز له جناحاً في فندق شبرد وطلب أن ينقل صلاح هذه الرغبة إلى عبد الناصر وقال ما نصه: إذا كان فخامة الرئيس عبد الناصر يخاف مني فأنا على استعداد لأن أنزل في قصر القبة، أما إن كان يثق بي، فلماذا يمانع في أن أنزل بفندق شبرد؟ “ ثم تحدث عن السيد عبد الحميد السراج وزير داخلية سوريا ورئيس المكتب الثاني ( الاستخبارات ) في عصر الوحدة، وكان السراج يقرب صحافيا لبنانيا، اعتاد أن يتطاول على الأمير فيصل شخصيا. يعقب صلاح بأنه تحدث في هذا مع عبد الناصر شخصيا، وقد تأكد عبد الناصر من افتراءات الكاتب ومجافاته للأدب والذوق، وأمر السراج بطرده فورا. تناول حديث الأمير فيصل حكاية المليوني جنيه التي حولها الملك سعود رحمه الله إلى عبد الحميد السراج للتآمر على عبد الناصر، قال الأمير: “إن جلالة الملك عرض عليه رئاسة لجنة التحقيق في هذه الحكاية، ولكن سموه لم يقبل، إذ كان الملك سعود ضحية تآمر وقع فيه شخصيا عندما حول هذا المبلغ إلى المغامرين الأفاقين”. نقل صلاح هذا الحديث إلى عبد الناصر. واضح من السياق أن الملك فيصل كان يعرف مفاتيح عبد الناصر، وهذا الكتاب يدلنا على المكانة المتميزة لكاتبه صلاح الشاهد عند عبد الناصر. وقد ذكر عبد الناصر للملك فيصل ما وصل إليه من صلاح الشاهد، فعقب الفيصل بالقول إنه يعرف صلاحاً منذ فترة طويلة. حدث بعد فترة أن قال عبد الناصر لصلاح الشاهد: •صاحبك بدأ يتآمر ضدي لم ينكر صلاح هذا التآمر بل أيد حق الملك فيصل في رد العدوان بعدوان مثله أخذا بالقول: العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، وتابع الشاهد: أنه كان على يقين أن الملك فيصل لا يعمد إلى أساليب الغدر والخيانة لأن طبيعته السمحة تأبى عليه ذلك. قال عبد الناصر: وهل ابتدأت أنا بالعدوان؟ قلت: نعم، فقد بدأت بالهجوم الضاري على مقام ملك عربي كريم، لم يسيء إلى مصر ورئيسها، ولا أدل على ذلك من أن الحكومة المصرية قد استولت على أرض له وأقامت عليها بناء بعقد مع إحدى الشركات الأجنبية ( فندق شيراتون)، عدوانا على حق جلالته، ولكن جلالته لم يتكلم حتى الآن. علق عبد الناصر: إنك متحمس لصديقك، وأنا أعلم قدر المودة بينكما. لكنني لم أعتد أبدا على الملك. رد صلاح: يا سيدى.. إن الحوادث تقول غير ذلك، فقد قامت وزارة الداخلية دون حق بالاستيلاء على قصر تملكه زوجة الملك فيصل، وأسكنت فيه الملك السابق سعود بعد عزله نكاية في الملك فيصل، وماذا يصنع إنسان يرى عدوانا على زوجه ولا يملك له ردا. فقال عبد الناصر: لا أعلم حكاية القصر، لم يذكرها لي شعراوي جمعة (وزير الداخلية). وتوفي الملك سعود بعد قليل فقال عبد الناصر: انتهت المشكلة، رد صلاح أي مشكلة؟ فقال: مشكلة قصر الملك فيصل.. أخبر شعراوي جمعة بألا يُدخل أحدا القصر. وطلب أن يرسل صلاح للملك فيصل رسالة تحمل اعتذارا رقيقا وتوضح أن المسألة قد وقعت دون علم من الرئيس عبد الناصر. الملك فيصل وكتاب هيكل: وصل عبد الناصر إلى السعودية لتوقيع اتفاقية جدة وقابله الملك فيصل بكل الحفاوة، تواصل الملك مع صلاح وأوصاه بأن يوصل له كافة طلبات الرئيس ليتم توفيرها، فهم يريدون أن يكون ناصر في منتهى الراحة، وأبلغه بأن الإفطار سيكون على المائدة الملكية، وأن المباحثات ستبدأ بعد الإفطار مباشرة، لكن صلاح اقترح أن يذهب الوفد المصري لأداء العمرة قبل المباحثات عسى الله أن يوفق الجانبين للاتفاق. فقال الملك: كيف نصل إلى نتيجة مرضية ومن بين أعضاء الوفد محمد حسنين هيكل الذي ألف كتابا خاصا ضدي أسماه (الاستعمار لعبته الملك)؟ نقل صلاح لعبد الناصر ما قاله الملك، فاعتذر بأنه لم يعلم عن الكتاب، وأنه يري أن يعود هيكل إلى القاهرة، أبلغ صلاح الملك فيصل اعتذار عبد الناصر وقراره باستبعاد هيكل، لكن الملك رفض اقتراح الترحيل لأن هيكل في ضيافته!! لا تحتوي قائمة كتب هيكل على كتاب بهذا الاسم، وواضح أن هيكل لم يكن مقتنعا بكتابه فلم يُعد طباعته. تغول الاستخبارات: يروي الكاتب حكايتين عن وزيرين خرج أحدهما من الوزارة بسبب المعلومات المضللة التي أوصلتها المخابرات للرئيس، كان صلاح بالصدفة يزور الشيخ محمد حسن الباقوري وزير الأوقاف- هو يمدحه كثيرا- وكان يلجأ إليه ليمنح مساعدات من الأوقاف لبعض المحتاجين، دخل عليهم ضابط استخبارات ومعه فتاة صارخة الجمال، وطلب من الشيخ أن يكتب لها معونة شهرية من الأوقاف، اعتذر الشيخ فلم يكن يبدو عليها الحاجة، ونصح الضابط أن يتزوجها على سنة الله ورسوله، لأن أموال الأوقاف تًصرف للمساكين ومن في حكمهم. وحدث أن دعا الباقوري الرئيس لحفل زواج ابنته، لكن الرئيس قبل الدعوة بفتور غير معتاد منه في هذه المناسبات، وبعد فترة قصيرة صدر قرار بإقالة الشيخ الباقوري دون سبب واضح، وتمددت الشائعات تنال من كرامة الشيخ، ولكن الله شاء أن ينصفه، وتبين أنه أقيل بسبب تقرير رفعه ضابط مخابرات أراد أن يجعل مال الأوقاف نهبا لنزواته، وحدث صلاح عبد الناصر بما حدث، وأعيد للرجل اعتباره الرفيع المستحق في الحياة العامة. كما وصلت تقارير تخص وزيرا آخر لكن عبد الناصر وكل صلاحا بمتابعة الأمر، وتبين كذب التقرير، وذهل عبد الناصر، وقال: إنها أزمة أخلاق، قل لي بربك كيف أحضر ملائكة يعملون في المخابرات فيقولون الحق ولا يظلمون الناس؟! سلطة راشيل: نبتدئ بهذه الحكاية التي تظهر كم تبدلت الأحوال بين عصر وعصر. طلب منه عبد الناصر أن يعد طعاما للعشاء للوفود العربية التي تحضر اجتماع جامعة الدول العربية، سيقام الحفل في حديقة قصر القبة، من الواضح أن تاريخ الحفل كان قبل عام ١٩٦٧، ذهب صلاح يرتب الأمور، وكان توجيهه أن يكتب في القائمة بجانب كل نوع من الطعام اسم الدولة العربية التي ترتبط به، كًتب مثلا “ حمل مشوي على الطريقة السعودية” ، “ قهوة على الطريقة اليمنية”، إلخ،. التزم الطهاة بالتوجيهات، ولكن الرجل عندما جاء يتفقد المائدة قبل بدء العشاء بربع ساعة، شاهد شيئا أصابه بالذهول، ولولا أنه تمالك نفسه لأغمى عليه كما قال، كان طبق إحدى السلطات مكتوبا عليه “ سلطة راشيل”، كيف لهؤلاء القادة أن يروا في قائمة الطعام سلطة يهودية، وهم الذين يتجمعون ويستعدون ويتشاورون بالساعات حتى يقاوموا الخطر الصهيوني، كان الأمر خطيرا. لكن الرجل تمالك نفسه، وطلب شفرة حلاقة، وأخذ يحفر في الحروف ليحول سلطة راشيل إلى سلطة رشيد. سبحان الله، الذي تحول الزمان لتصبح اسماء اليهوديات في بلادنا علامات الجودة! هدايا الحكام خطب عبد الناصر عام ١٩٥٦ داعيا الجماهير المصرية للتبرع للمجهود الحربي، وجمع مبلغ ثلاثة عشر مليونا من الجنيهات، وتجاوب الملك سعود فأصدر أمرا بتشكيل لجنة برئاسة السيد حسن عباس الشربتلى لجمع التبرعات، تبرع الملك بمائتي ألف جنيه وتبرع الشربتلى بمائة وتسعة وتسعين ألف جنيه. وكان السيد الشربتلى يحث الجميع على التبرع وعندما كان فقير يقدم على التبرع بريال واحد كان الشربتلى يبعث له سرا بعشرة ريالات. ثم جاء حسن الشربتلى إلى مصر لتسليم التبرعات السعودية. بعد ذلك بأيام نشرت الصحف صورة الشربتلى مع الحاج خليل حسين (عم الرئيس عبد الناصر) تتحدث عن شراكة تجارية بين الرجلين، فأصدر الرئيس أمرا بوضع عمه في السجن، ولم يفرج عنه إلا بشفاعة أعضاء مجلس قيادة الثورة عندما كان في المطار في طريقه إلى الهند. ثم حضر السيد حسن الشربتلى إلى مكتب صلاح ومعه حقيبة تحتوي على هدايا منه إلى الرئيس عبد الناصر، فتح الرجل الحقيبة فوجد فيها مجموعة مجوهرات، كل منها تحمل إيضاحا بقيمتها، وثمنها مجموعه ثلاثمائة ألف جنيه، وهو مبلغ خرافي بمقاييس ذلك الزمان، قال صلاح إن عبد الناصر لن يقبلها، فرد الشربتلى: ما على الرسول إلا البلاغ، أنت أوصلها إليه فقط. أوصل صلاح الهدية، فطلب ناصر أن تعاد الهدية بعد أن أخذ منها قلما، وقال: لو لبست أيا منها إحدى أفراد أسرتي لقيل إنني استوليت على مجوهرات أسرة الملك فاروق، أخذ الشربتلى هديته و جاء في اليوم التالي بالحقيبة وفيها تبرع بأربعة وعشرين ألف جنيه يكون بتصرف الرئيس ليضعها في أي مكان يريد، قبل عبد الناصر الهدية وأرسل خطاب شكر للشربتلى على تبرعه للاجئين الفلسطينيين في غزة، ثم أرسل المبلغ إلى اللواء العجرودي الحاكم العسكري لقطاع غزة ليتم إنفاقها على اللاجئين. كان ناصر شديد الحساسية لهذه الأمور، يذكر كتاب الملاك- وهو كتاب إسرائيلي عن أشرف مروان صهر عبد الناصر المتهم بالجاسوسية لصالح الدولة الصهيونية - أن عبد الناصر أمر بعودة أشرف إلى القاهرة من لندن التي كان فيها مبتعثا للدراسة، وسبب ذلك ما علمه من أن أشرف يتلقى هبات متكررة من الشاعرة سعاد الصباح وزوجها، واللذين كانا على صلة وثيقة بعبد الناصر الذي كان حينها في قمة الشعبية بين العرب، بل إن صلاح الشاهد يذكر في هذا الكتاب أنه - وهو كبير أمناء رئاسة الجمهورية في عهد عبد الناصر - قد علم بوفاة عبد الحكيم عامر من الشاعرة سعاد الصباح عبر مكالمة تليفونية. ورغم ذلك فقد كان موقف عبد الناصر من الدكتور محمد حلمي مراد غريبا، والدكتور مراد رجل وطني جدا عارض سياسات التصالح مع الدولة الصهيونية أيام السادات، وأوذي كثيرا بسبب هذا الموقف رغم أنه أصبح نائبا لرئيس حزب العمل المعارض. كان الدكتور مراد وزيرا في إحدى حكومات عبد الناصر، وقام بزيارة رسمية لدولتي الكويت والبحرين لتفقد منشآتها التعليمية، وقد أُهدى إليه طقم شاي من الفضة من الكويت، وساعة بلاتينية مرصعة بالألماس مع عقد من اللؤلؤ من البحرين. وعندما عاد الدكتور مراد أرسل الهدايا إلى كبير أمناء الرئاسة قائلا إنه يرفض قبول الهدايا، حاول صلاح أن يشرح له أن التهادي أمر مقبول ضمن تقاليد الدول فاستمر الدكتور مراد في الرفض، ثم نشر كمال الملاخ حكاية الهدية ورفضها في الأهرام، فقام صلاح بكتابة توضيح من ثلاث صفحات، تحدث فيه عن تقاليد قبول الهدايا بين الدول وأنه مقبول في كل الدول ملكية أم جمهورية، رأسمالية أم شيوعية، وعلق على عمل الدكتور مراد، وحول الخطاب إلى عبد الناصر. وقد توقعت أن يسعد ناصر بفعل وزيره، ولكنه غضب وقال: يعني أننا حين نقبل الهدايا لصوص، أو أن حلمي مراد عنده أخلاق ونحن لا. وبعد وقت قصير تمت إقالة حلمي مراد من الوزارة بسبب ذلك. واضح أن ديكتاتورية عبد الناصر قد غلبت نزاهته هنا، وللأسف فإن حكم الرجل الواحد يفضي إلى تصرفات كثيرة خارج السياق. هنا نرى رجلا يعاقب على نزاهته، ويخرج من وظيفته لسبب مشرف. مع الملك محمد الخامس: زار الملك مصر عام ١٩٦٠، وكان من عادته أن يستيقظ قبل الفجر ويذهب برفقة سفير المغرب إلى المسجد لصلاة الفجر والاستماع إلى تلاوة القرآن، بطبيعة الحال لا يستطيع كبير أمناء الرئاسة في مصر أن يترك الملك بغير حراسة، وكان يطلب من سفير المغرب أن يبلغه بالمسجد الذي يرغب الملك في التوجه إليه، ويرسل أحد القراء المصريين المشهورين، وعندما سًئل الملك عن أكثر شيء أعجبه في مصر فأشار إلى تلاوة القرآن وأصوات المقرئين. مآدب دول المغرب: دعي الشاهد أكثر من مرة لزيارة المغرب وزيارة الجزائر، وكان يجد حفاوة كبيرة من قبل الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين. في المأدبة التي أقيمت في المغرب للزعماء العرب، كانت المأدبة حافلة، يأخذ كل مدعو طبقا يملك بما يشتهى من طعام، وقبل أن ينتهوا يحضر مجموعة من السفر حية فينتزعون الأطباق، ثم تقدم ألوان أخرى من الطعام ويتكرر المشهد، وهكذا قدم أكثر من خمسة وعشرين لونا من الأطعمة. أما في الجزائر فقد دعا الرئيس على شرف صلاح مجموعة من الوزراء ورجال السلك الدبلوماسي، بدأ العشاء بأطباق الشوربة والسمك، ثم دعوا للانتقال إلى صالة أخرى، حيث الخراف المشوية على إطلاق تحتها الفجل والبصر، وبعد أن غسلوا أيديهم عادوا الصالة الأولى ليجدوا أصنافا من الطيور المطهية على المذاق الجزائري. الرئيس سوكارنو: المشهور عن الرئيس الإندونيسي أنه لا يفيق من الراح إلا أن صلاح يكاد يجزم أنه لم يبق الخمر أبدا، ولكنه كان مغرما بالرقص الشرقي، وطلب أن يحضر حفلا للرقص الشرقي تحييه ثلاث راقصات حددهن بالاسم، اعتذر صلاح بأن الرئاسة المصرية لا تدفع لمثل هذه الضيافة، فقامت السفارة الأندونيسية بترتيب الحفل على نفقتها. دعا سوكارنو مضيفات طائرة بان أمريكان اللواتي رافقن رحلته إلى مصر إلى حفلة في جناحه بفندق النيل هيلتون، واختار منهن اثنتين لتكونا ضمن الوفد. خاتمة: تحتوي المذكرات على الكثير من مذكرات العهدين، والرحل كان على علاقة ود مع كل من عمل معهم، وهو يذكر كثيرا من المواقف الإنسانية عن فؤاد. سراح الدين وعن النحاس باشا وعن عبد الناصر، بل أنه روي قصصا عن حنان وطيبة عبد الناصر لا يتوقعها البعض من شخصية اشتهرت بالحزم والديكتاتورية، كما روى كيف رفض عبد الناصر وزوجته البروتوكول اليوناني حيث تعلق زوجة الرئيس يدها على ذراع الملك وتعلق ملكة اليونان يدها على ذراع عبدالناصر. حقا إن عالم الكبار مليء بما تتوقع وما لا تتوقع.