أصالةُ التّاريخ في فكر ولي العهد.

في هذه الأيام المباركة نعيش فرحة مناسبة اليوم الوطني السعودي لعام 1445ه /2024م ، وفيه نستذكر أن عُظماء الأُمّة هُم من يصنعون التّاريخ، ويبنون الدُّول الحضاريّة المُستقلّة؛ بما حباهم الله تعالى من الرّؤية السّديدة، والوعي السّليم، والقرار الشّجاع، فيكون الإنجاز الحضاري على مرأى من التاريخ العالميّ، وفي قلب صفحاته. وقد منحَ الله تعالى أُمّة العرب والمسلمين في هذا الزمان رجلًا عربيًّا أصيلًا، عُرِف بسداد الرّأي، وقوّة البصيرة، والوعي الخلَّاق، وشجاعة العرب في اتخاذ القرارات المصيريّة؛ إنّه سيّدي سمو وليّ العهد الأمير مُحمّد بن سلمان، حفظه الله، الذي ملأت أخباره البلاد ومسامع العباد، صاحب حكمةٍ بادية المعالم، ووقار جلي، ورؤية قويّة تنفذُ إلى الماضي العريق لتخلعَ على المستقبل عباءة الأمجاد العربيّة. يَحسن بنا أنْ نتطرّق إلى أصالة التاريخ في شخصيّة سيّدي سموّ وليّ العهد، حفظه الله، وتفكيره في هذا التّقرير الصّحفي؛ إذ أولى التّاريخ العربي والسُّعودي اهتمامًا كبيرًا ضمن أولويات رؤية (2030م) السُّعوديّة الخلّاقة؛ بجعله مُنطلقًا لمستقبلٍ حضاريٍّ عريق زاخر بالإنجازات الوطنيّة والعالميّة. تمثّلت أصالة التّاريخ في فكر سيّدي سموّ وليّ العهد، حفظه الله، في جوانب فكريّة مُتعددة، ومنها: •تاريخيّة الأصالة والابتكار: بُنيت الرّؤية التّاريخيّة عند سموّ وليّ العهد، حفظه الله، في بناء الحاضر، وتطوّر المُستقبل على أصالة التّاريخ السُّعودي وعراقته منذ سنة (850ه)، وهو عصر جدِّه الأمير مانع المريدي الحنيفي البكري، وما سار عليه أحفاده النُجباء من بعدهِ في بناءِ الدَّولة السُّعوديّة الأولى في تحقيق الاستقرار، وغرس قيم الأمن والأمان، ونشر العدل والمساواة، واعتماد التّنمية في تطوّر الدَّولة السُّعوديّة وازدهارها ضمن أطوارها التّاريخيّة الثّلاثة. ونشهد اليوم ضمن رؤية (2030م) ثِمار ما غرسه الحكَّام الأوّلين، وما رعاه وطوّره ولاة الأمر الحاليين، فقد أكّد سموّه أنَّ التطوّرات التي تشهدها المملكة العربيَّة السُّعوديّة في ظلّ رعايته ترتكز على ما تتمتّع به المملكة من مقوّمات تاريخيّة وثقافيّة وإنسانيّة واقتصاديّة، إذ لا حاجة لها بتقليد أو محاكاة أيّ تجربة إنسانيّة أخرى، وهذا ما يُعطيها طابع التميّز والتّفرّد، فتغدو البلاد تواكب ما تحتاجه من تطوّر حضاري، دون المساس بجذور وأصالة ماضيها، وتاريخ شعبها وحكّامها. فضلًا عن أنَّ المشاريع الحضاريّة العملاقة في المملكة تحمل في أهدافها طابع التميّز والابتكار والأصالة التّاريخيّة، لتُشكّل حضارة مُعاصرة بهويّة عربيّة سعوديّة خالصة؛ تحمل بين طيّاتها أصالة الماضي، وعبقرية الحاضر، وأمل المستقبل المنشود. ويعدُّ المشروع السُّعودي لتطوير الدّرعيّة التّاريخيّة، برعاية وليّ العهد حفظه الله، أكبر مشروع وطني حضاريّ تاريخي في العالم؛ إذ اعتمد على الماضي المجيد، فسلّط الضّوء على أكثر من (300) سنة من تاريخ الثّقافة العربيّة السُّعوديّة الخالدة التي تسعى لتقديم العديد من التّجارب التُّراثيّة ذات الإلهام السُّعودي العربي الفريد، والتّجارب التّعليميّة، والمعيشيّة، والسّكنيّة ذات المُستوى العالمي الرّائد، وأساليب الحياة السُّعوديّة المُتميّزة في علاقاتها الاجتماعيَّة، والإنسانيَّة، والحضاريّة الرّاقية، وفي تجارب التسوّق والتّرفيه والتّعامل، وبذلك يكون هذا المشروع الحضاري قد واكب كلَّ ما تتطلّبه رؤى السّنوات المُقبلة للأمُّة السُّعوديّة، والعربيّة، والإسلاميّة . فضلًا عن أنَّ النّظرة التّاريخيّة في الأصالة والابتكار كانت ضمن رؤية سموّ وليّ العهد، حفظه الله، للمشاريع التّراثيّة الأخرى في المملكة؛ كمشروع جدّة القديمة، ومشروع نيوم، وغيرها من المشاريع التي تُعدّ انطلاقة سعوديّة غير مسبوقة على الصّعيد المحليّ، والإقليميّ، والعالمي. وكلّ هذا بفضل نجاح قيادته الحكيمة، ورؤيته المديدة، التي تعيش الحاضر، مُتطلِّعة للمستقبلِ، وهي تحمل أمجاد الماضي فوق أكتافها. •تاريخية المُعتقدات والأسس: إنّ ما يميّز النّهج الحضاري عند سموّ وليّ العهد؛ حفظه الله، أنّه يعيش الحاضر بعينٍ على المستقبل، وعين على الماضي، وهذا من حسن الصّنيع، وبُعد الرّؤية، وحكمة مُنحها من الخالق العظيم. ولذلك لم يتنكّر سموّه في رؤيته الخالدة لجذورهِ، وتاريخهِ، وأهلهِ، ودينه في مسيرة بناء الهويّة السُّعوديّة، حيث يرى أنَّ مُتابعة البلاد في سيرها نحو التقدم والازدهار إلى عام (2030) وما بعدها يكون على الخُطى الحثيثة ذاتها، وتنفيذ المشاريع الوطنيّة البنّاءة التي تقوم بها. وما يُعزّز رؤيته الخلّاقة إيمانه أنّ المملكة العربيّة السُّعوديّة تمتلك ثقافات تاريخيّة أصيلة لم تكن يومًا سببًا في إضعافها أو تراجعها، وبالتّالي لا يُمكن بأيّ حال التّخلّي عنها، أو التّنكّر لها. ولذلك حدّدت رؤيته الحضاريّة ثوابت تاريخيّة ارتكزت عليها في مسيرة البناء والتّنمية والتّطوير؛ وفي ذلك يرى سموّه أنَّ الإسلام الوسطي هو دين البلاد الرّسمي، والثّقافة السُّعوديّة والعربيّة كلٌّ واحد، ومن دون اجتماع هذه الثّقافات لن يكون للبلادِ ميزة تاريخيّة، أو طابعًا ثقافيًا يُحدّد هويتها وخصوصيّتها، وليس من باب الوفاء نكران الجميل، وخلع أثواب الماضي، ولكن ما نقوم به هو التّعايش مع هذا التّراث بمرونة تواكب ما آلت إليه حال البشريّة من تقدّم وتطوّر. إذ إنَّ الإسلام دين سماوي مُقدّس سِمته المرونة والاعتدال، ومُلاءمته لكلِّ زمانٍ ومكان، فطالما تمسّكنا بالأصول، فلن يضرّ تغيّر بعض الفروع إذ إنّنا لم نخرج عن القواعد والمسلكيّات العامّة في ديننا الحنيف. وهذا ما نراه في أحاديث نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، ونهج الخلفاء الرّاشدين من بعده، فكانت حياتهم وسلوكيّاتهم تطبيقًا عمليًّا لتعاليم الدّين الحنيف، وانعكاسًا لما فيه من مرونة واعتدال ويسر، وبهذا سادوا وأسّسوا. وما تزال ذكراهم عطرة رغم تعاقب الأيّام والسّنين. ونرى كيف استوعبت الثّقافة الإسلاميّة في ظلّ حكم الخلافة الرّاشدة الرّعايا جميعهم على مُختلف مُعتقداتهم وأعراقهم، فنالوا في ظلّها كلّ الاحترام والتّقدير، وحسن المعاملة. أمّا ما نراه اليوم من سوء تعامل، أو تشويه صورة، غير المسلمين، فذلك لا يمتّ إلى الدّين الإسلامي بِصِلة، بل إنّه يُخالف ما أوصانا به نبيّنا الكريم عليه الصّلاة والسّلام، وخلفائه الرّاشدين من بعده عليهم رضوان الله. •تاريخيّة النّظام المَلَكي السُّعودي: وتتمثل التّاريخيّة في نشوء النّظام الملكي السُّعودي وفق استمراريته الشّرعيّة عبر عدّة قرون مضت، وفي قدرته على التّعايشِ مع مختلف الظّروف السّياسيّة، والثّقافيّة المحلّية، والإقليميّة، والدّوليّة. ولذلك وجدنا تاريخيّة النّظام الملكيّ السُّعودي تكتنز في جوهرها عراقة هذا النّظام وأصالته وشرعيّته، وإنَّ وجوده التاريخي كان وما زال يُمثّل ضرورة اجتماعيّة، وسياسيّة، وأمنيّة، واقتصاديّة حتميّة اقتضتها مصلحة البلاد والعباد في تحقيق الاستقرار، والأمن والأمان، والسِّلم والسّلام، ونشر العدل والمساواة؛ لتتمكّن البلاد مواكبة مسيرة التّقدّم والتّطوّر الإقليمي والعالمي عبر تاريخها التّليد. وفي هذا المقام وضّح سموّه أنَّ نمط الحكم السّائد في المملكة العربيّة السُّعوديّة هو النّظام الملكي، وبالتّالي لن يستطيع تغييره؛ لأنّه إرث لثلاثمائة سنة، وكان سببًا في استمراريّة المملكة العربية السُّعودية كدولةٍ ملكيّةٍ مُستقلّةٍ ذات سيادة على الصّعيد المحلّي والعالمي. وبما أنَّ اليوم يُصادف ذكرى البيعة التّاريخيّة لسموّه، حفظه الله، في 27 رمضان، وفيه يذكر الجميع البيعة المجيدة له، إذ اختار سموّه أفراد العائلة السُّعودية المالكة، والتي يتجاوز عددهم الخمسة آلاف، وكلّهم وقع اختيارهم على شخصهِ النّبيل، وبايعوه على حماية دمائهم وأعراضهم، وبالتّالي عليه القيام بأعباء هذه المسؤوليّة على أتمّ وجه، وأداء هذه الأمانة خير الأداء، وقد أكّد سموّه، حفظه الله، أنّ ظنّه فيهم قد تحقّق وأنّهم لن يخيّبوه ولن يتخلّوا عنه، بل سيكونون عونًا له، وسندًا معه. وكلّما زاد الحِمل عظمت المهمّة، وزاد الشَّرف. •تاريخيّة تمكين المرأة السُّعوديّة: كانت وما زالت المرأة السُّعوديّة محلّ اهتمام جميع خطط التّنمية السُّعوديّة لإكرامها والتّمكين لها مُنذ تأسيس الحكم السُّعودي الأوّل (1139/1727م) وحتّى يومنا هذا، فقد اجتهد الإمام مُحمّد بن سعود في رعاية المرأة السُّعوديّة، والاهتمام بتعليمها، وتمكينها، ومنحها كامل حقوقها الشّرعيّة والإنسانيّة في عهد حكمه، وعلى هذا النّهج القويم سار أحفاده من بعده برؤية تاريخيّة إسلاميَّة سمحة، إذ شهدنا اليوم أبهى الصّور الحضاريّة في تمكين المرأة السُّعوديّة ضمن رؤية (2030) السُّعوديّة برعاية خادم الحرمين الشّريفين، ووليّ عهده الأمين، حفظهما الله. إذ أمرا بضرورة تمكين المرأة السُّعوديّة للمشاركة في تطوير جميع قطاعات المجتمع السُّعودي بهدف الارتقاء بها كعنصر بشري مهم وضروري ضمن مسيرة التّنمية المجتمعيّة السُّعوديّة المُستدامة في البناء والتّطوير. ويُمثّل تمكين المرأة الهدف الخامس من أهداف التّنمية المُستدامة التي التزمت المملكة السُّعوديّة بتحقيقها، وذلك بالعمل على تضمين النّوع الاجتماعي في الاستراتيجيّات جميعها، وسياسات القطاعات المُختلفة؛ بهدف تقليص الفجوة بين الجنسين بما يُحقّق نموًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا قويًّا ومستدامًا. فضلًا عن أنَّ الرّؤية المُستقبليّة عدّت المرأة السُّعوديّة أحد عناصر القوّة في البلاد إذ تُشكّل المرأة السُّعودية نسبة 49% من المجتمع السُّعودي، وبالتالي أضحت المرأة السُّعوديّة مُكوّنًا مُهمًّا في الثّروة البشريّة للمملكة؛ ولذلك نصّت خطط الرّؤية على زيادة فُرص ومجالات عمل المرأة السُّعوديّة، والعمل على تشغيل النّساء في فروع وأقسام المُنشآت الخاصّة، مع مُراعاة تحديد ضوابط تشغيل النّساء في نظام العمل، وزيادة الطّاقة الاستيعابيّة للتّدريب التّقني والمهني، والبرامج الصّحيّة، وبرامج التّوظيف الالكتروني للمرأة، والتوسّع في توظيف المواطنات الراغبات بالعمل ضمن استراتيجيّة التّوظيف السُّعوديّة، وتوسيع دائرة العمل للمرأة في الوزارات والقطاعات الحكوميّة والأهليّة، وفي المدن الصّناعيّة، وتعيين النّساء في مجلس الشّورى بما لا يقلّ عن 20% من الأعضاء، وإلزام النّساء باستخراج الهويّة الوطنيّة، وتسهيل عمليّة مشاركتهنّ في انتخابات المجالس البلديّة كمُرشّحة وناخِبة، وتمكين من ترغب في قيادة السيّارة . لقد ضمنت برامج الرؤية للمرأة السُّعوديةّ قاعدة انطلاق حضاريّة تُمكّنها من تحقيقِ طموحاتها في ظلِّ حكمٍ سعوديٍّ حضاريٍّ عادلٍ، ومجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن شامخ، وطموح عال فتستفيد المرأة السُّعوديّة من جميع برامج وخُطط التّنمية الموجّهة إليها، وهي: •برنامج التحوّل الوطني: والذي يهدف إلى زيادة الوعي لدى المرأة السُّعوديّة بدورها الإيجابي في سوق العمل، وقدرتها على المُساهمة في خطط التّنمية الاقتصاديّة، وزيادة النّاتج المحلّي، وزيادة برامج التدريب؛ لتمكينها ورفع كفاءتها في تولّي المناصب الإداريّة، وتعزيز ثقافة العمل لديها، وتطوير مهاراتها الشّخصيّة والفنّيّة، وتأمين مُحفّزات العمل، والتّشجيع عليه. •برنامج تطوير الصّناعة الوطنيّة: ومَهمّته مُعالجة انخفاض نسبة مُشاركة المرأة السُّعوديّة في المجالات ذات الصِّلة بالعلوم والتقنية والهندسة والرّياضيّات، وتأمين وظائف نسائيّة ذات مميزات من شأنها أنْ تجذب المواهب الوطنيّة للمُشاركة في سوق العمل السُّعوديّ ضمن علماء البيانات، ومُصمّمي التداخل الرّقمي. •برنامج الخدمات اللوجستيّة: ومَهمّته الارتقاء بالمملكة لجعلها منصّة خدمات لوجستيّة على الصّعيد المحلّي والعالمي تكون المرأة السُّعوديّة أحد عناصره الفاعلة، والمُشارِكة في جميع خُططه و ِطاعاته الاقتصاديّة التي تُسهم في تطوّر التّجارة المحلّيّة والدّوليّة. •تاريخيّة استقلاليّة القرار السّياسي السُّعودي: تُعدُّ استقلاليّة القرار السّياسي في المملكة العربيَّة السُّعوديّة من المبادئ الثّابتة التي تستند إليها سياسة المملكة في المجالات كلّها؛ السّياسيّة، أو الاقتصاديّة، أو التجارية، أو أيّ شكل من أشكال الاتّصال، والحوار، والمناقشات. إذ شكّل موضوع استقلاليّة القرار السّياسي السُّعودي وتحقيقه أهم أهداف الحكم السُّعودي في أطواره التّاريخيّة جميعها، وقد واجه تحقيق هذا الهدف مواقف عدائيّة كثيرة على المستوى الإقليمي والعالمي، وما الحملات العسكريّة الغاشمة على الدَّولة السُّعوديّة الأولى إلّا مثالًا حيًا لتلك المواقف العدائيّة؛ لمنع استقلال القرار السّياسي السُّعودي. وعلى نهج الأجداد الأوّلين سار سمو وليّ العهد، حفظه الله، فحقّقه بتوفيق من الله، ثمَّ بحنكته في السّياسة، وشجاعته في اتخاذ القرار الصّائب؛ فاستطاع تحقيق الاستقلال الكُلي للقرار السّياسي السُّعودي، فجعل من المملكة العربيّة السُّعوديّة قوّةً عربيّة صاعدة، و ثقلاً دوليّاً، وشريكًا فعّالًا لا غنى عنه في صناعة القرارات السّياسيّة والاقتصاديّة على المستوى العربي والعالمي، وِفق قانون توازي القوى العُظمى. وما التّحالفات والاتفاقيّات التّجاريّة الدّوليّة الكبرى مع المملكة العربيّة السّعوديّة في مرحلتنا الرّاهنة، مثل انضمام المملكة إلى منظمة شنغهاي للتّعاون كشريك للحوار، إلّا ثمرة يانعة لنجاح سياسة وليّ العهد، حفظه الله، في تحقيق استقلاليّة القرار السّياسيّ السُّعودي. ومن ثمار النّجاح السّياسي لسموّ وليّ العهد، حفظه الله، في ظلّ الظّروف العصيبة التي تشهدها المنطقة أنّه جعل المملكة العربيّة السّعوديّة قوّة شرق أوسطيّة عُظمى تقود المنطقة، مما عزّز الثقة عند أبناء الأُمّة العربيّة في شخصيّة سموّ وليّ العهد، حفظه الله، كقائد عربي مُلهم شُجاع استطاع بنجاحه وحكمته وشجاعته وعدله أن يُعيد الأمل لديهم في الخلاص من براثن التبعيّة للأجنبي، وما يعيشونه من الويلات، والهموم، وضنك العيش؛ نتيجة سياسات التجهيل، والقتل، والتّهجير الظّالمة. •مسيرة التقدّم الحضاريّة وديمومتها: اعتمد سموّ وليّ العهد، حفظه الله، دروس التّاريخ في نهج آبائه وأجداده الذين سبقوه في حمل هذه الأمانة وشرفِها، وهو اليوم يسير في طريقه إلى المستقبل؛ لتحقيق رفاه شعبه وأُمّته بخطى مُتسارعة، يسابق الزّمن فيها، وربّما سبقه، وليس لذلك حدّ، إلّا ما حدّه الإسلام المجيد من قواعد تحكم المجتمع الإسلامي، وتحافظ على كيانه وعيشه الكريم، ووضع عقوبات حازمة لمن يخالف تعاليمه؛ لأنّه بذلك يهدّد كيان المجتمع المتماسك، ويقوّض أركانه، ومعلوم أنّ تلك العقوبات من صالح النّاس وليس العكس، كما يقول الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتقون}. ويؤكّد سموّه، حفظه الله، على قضيّة التّسامح الدّيني وتعدده في البلاد، بعدم تطبيق تلك العقوبات على الرّعايا في المملكة من غير المسلمين، فالأجنبي المقيم في المملكة سيبقى على دينه ويُقابَل بكلّ الاحترام والودّ، والعيش الكريم، وفي ذلك تطبيق عملي لمِا ورد في القرآن الكريم، والسّنة النّبويّة. وفي هذا الخصوص بيّن سموّه، حفظه الله، ما يجب أن يتمتّع به الحاكم من علم في الشّريعة، وتعاليم الإسلام، وبالتّالي أوضح المراحل التي يمرّ بها عندما يريد أن يتّخذ قرارًا فيه منفعة للعامّة، أو طرأ عليه أمر يحتاج لمعرفة الحكم فيه، فعليه أوّلًا الرّجوع إلى القرآن الكريم، فإن لم يجد ففي الحديث الشّريف، وبعدها يعالج الأمر ويدرسه من جميع جوانبه بشكل لا يعارض النّصوص الشّرعيّة، وفي الوقت نفسه يواكب الزّمن الحالي، وبهذا يكون قد قام ببذل جهده لما فيه خير البلاد والعباد. وهذه سمة الحاكم النّاصح لأبناءِ شعبه، السّاعي في اختيار أفضل ما يحتاجونه. •المصالح السُّعوديّة أولوية وطنية: يضع سموّ وليّ العهد، حفظه الله، تحقيق المصالح السُّعودية أولويّة وطنيّة للبلاد في خطط التّنمية السُّعوديّة كلّها على الصّعيد الدّاخلي والخارجي، ويرفض المُساومة عليها مهما كان الثمن. إذ إن الأفكار والرّؤى التي تبنّاها وليّ العهد السُّعوديّ مُحمّد بن سلمان، حفظه الله، هدفت إلى التحوّل الشّامل اقتصاديًّا واجتماعيًّا في المملكة العربيّة السُّعوديّة بما يخدم البلاد والعباد. وشملت أهدافه تحرير الاقتصاد السُّعودي من الاعتماد على النّفط، وزيادة دور المرأة في المجتمع، وتطوير قطاعات جديدة، مثل: التّرفيه والسّياحة، وتحسين جودة التّعليم، والخدمات الصّحيّة، وإصلاح نظام العدالة، والقضاء على التّطرّف والإرهاب. ولا بُدّ من لفت النّظر إلى أنَّ أعظم استثمارات رؤية (2030م) هو الاستثمار في رأس المال البشري السُّعودي؛ فلدينا الكثير من الطّاقات والخبرات الوطنيّة المؤهّلة، والكفاءات البشريّة في التخصّصات جميعها، ونحتاج إلى توظيف هذه القدرات والإمكانات التوظيف الأمثل، ووضع الشّخص المناسب في المكان المناسب. فالاعتماد على الخبرات الوطنيّة هو الطّريق الأمثل لجذب الاستثمارات الخارجيّة، وتوطين المِهَن، وكلّ هذه الأمور أعطاها سموّ وليّ العهد، حفظه الله، جُلّ اهتمامه. ولذلك يؤكّد سموّ الأمير مُحمّد بن سلمان، حفظه الله، للجميع أنّ جهوده الآن تتركّز في تحقيق مصالح بلاده، والسّعي في تطويرها، وكيف أنّه اليوم قارَبَ الوصول إلى المرتبة (17) من بين دول مجموعة العشرين، وبيَّن طموحه في بلوغ أعلى من المرتبة 15 بحلول عام (2030م) بمشيئة الله تعالى. وهكذا استطاع سموّ الأمير مُحمّد بن سلمان، حفظه الله، بأصالة تفكيره، وتخطيطه الاستراتيجي المُتقن، أنْ يسير بُخطى ثابتة نحو تطوير حقيقي، وإحداث نقلة نوعيّة في المجالات جميعها. •الرّمزيّة التّاريخيّة للمُناسبات الوطنيّة: وفي نهاية هذا التّحقيق الصّحفي وجب التّذكير بإنجازات القيادة الرّشيدة مُمثّلة بتوجيهات خادم الحرمين الشّريفين، ووليّ عهده الأمين، حفظهما الله، بتخصيص أيّام مُحدّدة من كلِّ عام للاحتفالِ بالمُناسبات الوطنيّة الخاصّة بتاريخ المملكة العربيّة السُّعوديّة العُظمى؛ باعتبارها الوعاء التّاريخيّ للدَّولة والشّعب، مثل: يوم التّأسيس، واليوم الوطني، ويوم العَلَم، وذكرى البيعة وغيرها. وتسليط الضوء على توجيهاتِ القيادة الرّشيدة في التّأكيد على الأُطر التّاريخيّة الوطنيّة للمملكة، وضرورة تضمينها في المناهج الدِّراسيّة؛ ليتعرّف النّشء السُّعوديّ الواعد على تاريخ بلاده، وتُراثها السُّعوديّ الخالد. *(باحث في علم الاجتماع البدوي والأنثروبولوجيا ).