
تلقيت هدية ثمينة من الدكتورة إيمان بنت محمد الفهد العيسى عبارة عن أربعة كتب: 1- الأعمال الشعرية الكاملة لوالدها. 2- محمد الفهد العيسى لمن لم يغب. 3- الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى، بقلم والدها وبتقديم للشيخ حمد الجاسر. 4- محمد الفهد العيسى دراسة في حياته وشعره لجبر بن ضويحي الفحام، وهي دراسة علمية قدمت لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير إلى كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي نوقشت بتاريخ 11/5/1427هـ. وقد حمل الهدية الصديق يعرب خياط بعد حضوره ندوة بمناسبة يوم التأسيس (الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى) لمحمد الفهد العيسى شارك بالندوة الأساتذة/ عبدالرحيم الأحمدي وحمد الرشيدي بالدرعية مساء الثلاثاء 18/2/2025م. بإدارة الدكتورة حصة الجبر. إذ لم أتمكن من حضور الندوة. ما زلت أتذكر الأستاذ محمد العيسى عند التحاقي بالعمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1382هـ- 1962م إذ كان هو الرجل الثاني بها وكيلاً للشؤون الاجتماعية بعد الوزير عبدالرحمن أبا الخيل- رحمهما الله- وكان مكتبه الفخم بالصالة المواجهة للسلم بالدور الأول بمقر الوزارة بالمبنى المعد فندقاً باسم (فندق عيد) بجوار محطة القطار. وفي منتصف العام التالي 1383هـ انقطع عن العمل بسبب ما نشره محمد أحمد باشميل بجريدة عكاظ ففي العدد 173 ليوم الأربعاء 14/5/1383هـ الموافق 3/9/1963م تحت عنوان (لكي لا نكون مثل بني إسرائيل) بعد أن اطلع على ديواني شعر العيسى (ليديا) و(على مشارف الطريق) ((فوجدهما يطفحان بالزيغ والضلال ويفيضان بالدعوة إلى التهتك والانحلال.. الخ)). وفي العدد التالي 174 ينشر اعتذاراً لمحمد الفهد العيسى يقول فيه: (إنني إنسان.. واحد من البشر والبشر معرضون للوقوع في الزلل ومزالق اللسان وابن آدم خطاء، والخطأ الذي يقع فيه الإنسان محتمل لكل شخص، وقدرة المرء تظهر في تلافي أخطائه) واختتم مقاله بقوله: (وأؤكد للجميع أنني ما كنت في يوم من الأيام مصراً على خطأ أو متنكباً لطريقه، بل سأكون أبداً ذلك المؤمن الصادق الإيمان الراسخ العقيدة.. والله يقبل التوبة من عباده). وفي العدد الذي يليه 175 ينشر باشميل في الصفحة الأخيرة قصيدة بعنوان: (إلى حماة الضلال) قال منها: لقد أرغم الله آنافكم وأفواهكم ألقمت بالحجر وماتت رغمكم فتنة سعينا لها سعي من قد عقر فقد أخمدتها مقالة حر أبى أن يكون العنيد الأشر تذكر صنع الأولى آمنوا وأبصر درب الهدى فاعتذر.. الخ. ولهذا نجد الدكتور عبدالرحمن الشبيلي- رحمه الله- يذكر في كتابه (أعلام بلا إعلام) ج2 معلقاً على الموضوع: (( .. ثم حاول احتواء الأزمة فنشر في جريدتي المدينة وعكاظ اعتذاراً لم يكن محل ارتياح بعض المثقفين حينئذ..)). وذكر قصيدة (حرية الفكر) من ديوانه الأخير (أين قفاة الأثر) مبيناً فيها وجهة نظره في القضية وموقفه حيالها، وكان مطلعها: صبراً أخا الحرف لا تعجل ولا تلُم فلن أضيع أنا، أقسمت بالقلم الشمس تشرق من كفي أشعتها أن تسجن الشمس عن ارضي وعن أكُمي سيعلم القوم صمتي في غد ذهب والصوت من قلمي والحق ملء فمي أني الأبيّ سمائي فوق عالمهم وفوق كل دعيّ ناعق قدمي وقال الشبيلي: ((إن التلفزيون حديث النشأة قد استفاد من عزلة العيسى لمعرفته بالألحان والأوزان الموسيقية، في محاولة مشتركة معه لتدوين التراث والألحان الشعبية من كل أنحاء الوطن كالخماري والدحة والسامري والناقوز والصوت والخبيتي والصهبة والمجرور والمزمار والخطوة والعرضة وغيرها مع تبيان فروقها الإيقاعية وغيرها مع تبيان فروقها)). ويذكر جبر الفحام في ترجمة العيسى أنه في منتصف عام 1388هـ 1968م أمر الملك فيصل بنقل خدمات العيسى إلى وزارة الخارجية برتبة سفير ليتسلم منصبه الجديد لرئيس إدارة الشؤون الإدارية والقانونية) واستمر خمس سنوات وبعدها بدأ عمله سفيراً لدى موريتانيا ثم في قطر ثم في الكويت ثم الأردن ثم عمان، وأخيراً عضواً لمجلس الشورى ثم سفيراً بالبحرين. وفي نهاية عام 1422هـ طلب إعفاءه ليتقاعد ويعيش بين أولاده واحفاده بالرياض. وقد حصل على ثلاثة أوسمة منها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. هذا وقد زرته في منزله بالعليا مساء يوم الأربعاء 18/7/1428هـ بعد اتفاق مسبق وسجلت معه ضمن برنامج مكتبة الملك فهد الوطنية (التاريخ الشفوي) وتحدث وعلى مدى ساعتين مستعرضاً مراحل حياته بدءاً بمولده بعنيزة 1346هـ ثم التعليم بالمدينة المنورة ومكة والطائف، العمل بوزارة المالية بالزكاة والدخل، ثم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وكيلاً للشؤون الاجتماعية، ثم تطرق إلى بدايته مع الشعر، وصدور أول ديوانين له (ليديا) و(على مشارف الطريق)، وتحدث عن بداية الهجوم عليه من قبل أحمد محمد باشميل، ثم توقفه عن العمل لخمس سنوات، انتقاله للعمل بوزارة الخارجية، وتعيينه بعد خمس سنوات تولى العمل سفيراً في موريتانيا فالأردن فالكويت فقطر فسلطنة عمان ثم عضواً بمجلس الشورى ليعود بعدها سفيراً بالبحرين فالتقاعد. ثم تحدث عن حالته الاجتماعية وظروف وفاة ابنه الأول عبدالوهاب الذي كان يعمل نائباً لرئيس الديوان الملكي. قال عنه الدكتور الشبيلي «غريب أن ينظر أبو عبدالوهاب إلى نفسه ومنذ مطلع شبابه، على أنه (الفهد التائه) في حين أنه كان حاضراً دوماً في الوسط الثقافي وفي أذهان محبيه، وفي المجتمعات الستة التي عمل فيها سفيراً، وكان مجلسه مفتوحاً على الدوام.. وكانت مشاركاته الثقافية لا تغيب ولا تنقطع.. وكيف له أن يكون التائه، وهو الذي أقسم في إحدى قصائده الحديثة أن لن يضيع، ولن يستكين. عرفه المجتمع الثقافي من خلال ما كان ينشره من قصائد ومقالات باسمه الصريح أو بأسماء مستعارة مثل (الفهد التائه وبدوي الدهناء والحطيئة وسليم ناجي). وقال عنه غازي القصيبي: ((لو تجسد الشعر رجلاً لكان يشبه العيسى، يشبهه في أناقته وفي كرمه وفي طبيعته وفي وداعته وفي دواوين شعره، أنه يتنفس شعراً، ويعيش شعراً، ويأتيه الشعر من بين يديه ومن خلفه ولا يذهب إليه.. فرومانسيته تنبع من حياته وليس من خياله، ورقة شعره وهدوء معجمه تنبع من رقة مشاعره، إنه يكتبه دون تكلف أو تصنع، فالعيسى مخلوق شعري وديع أنيق خفيف الوزن حسياً وشعرياً)). استعرضت ابنته الدكتورة إيمان في كتابها (محمد الفهد العيسى لزمن لم يغب) أهم كتاباته الأولى في الشأن العام التي بدأها عام 1374هـ 1955م في الصحف المحلية (البلاد والندوة والرياض والجزيرة وغيرها). قال في تقديمه الدكتور إبراهيم التركي: ((.. وهذا الكتاب الذي اصطفت محتوياته ابنته الباحثة الدكتورة إيمان سطر في أسطار الأستاذ محمد الفهد العيسى، ممثلاً حسه النابه المبكر بقضايا بلده وأمته، يحكي سعيه ووعيه وتطلعه وتوقعه، ورؤيته ورويته، وفيه شيء عن ناد ثقافي وليد، وعن مصطلح نقدي جديد، كما إشراق مؤمن، وانتماء مواطن، وحوار مثقف، ولغة مذيع نشر بعضها وبث بعضها، وبلغ بعضها صفحات واكتفى بعضها بكلمات، وجاز لها كلها أن تدخل مسار التأريخ الثقافي بامتداد توثيقي عمره عقود، والمقارنة كما المقاربة ستؤكد أين كنا، وكيف سرنا.. والام نسير.. الوعي سبق)). وكتابه (الدرعية.. قاعدة الدولة السعودية الأولى) الذي قدم له الشيخ حمد الجاسر عبارة عن مقالات سبق نشرها بمجلة العرب في عام 1386هـ 1966م، كتبت مقدمته الدكتورة منيرة بنت سليمان العلولا قائلة: ((أصل هذا الكتاب بحوث لمعاليه رحمه الله كانت قد نشرت في مجلة (العرب) على حلقات، ولقيمة هذه البحوث اقترح الشيخ العلامة حمد الجاسر رحمه الله رئيس تحرير مجلة العرب آنذاك أن تجمع في مؤلف واحد، ليكون أول دراسة عن تاريخ مدينة الدرعية عصب الدولة السعودية ذات المجد التليد التي لم تنل من الدارسين ما هي جديرة به من اهتمام)). الأعمال الشعرية الكاملة لمحمد الفهد العيسى الذي وثقته وجمعته ابنته الدكتورة إيمان يشتمل على الدواوين: على مشارف الطريق، ليديا، الإبحار في ليل الشجن، دروب الضياع، الحرف يزهر شوقاً، حداء البنادق، ليلة استدارة القمر، عاشق من أرض عبقر أين قفاة الأثر؟ عندما يزهر الحب، الشمس في أزقة الضباب. ليس لي في الختام إلا أن أشكر الدكتورة إيمان على هديتها القيمة وأذكر بالمناسبة ما روي بالأثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد يدعو له، أو علم ينتفع به)) وهي جمعت الثلاث بعملها هذا.