(حنينٌ على أطلالِ دكَّـة)

على مقرُبَـةٍ من ذلك المكان ، يتكئ حنينٌ لايكادُ يُغادر مُخيلتي. يمضغُ لبان الذكريات بفمٍ يلهج بقداسةِ تلك اللحظات ، ومازال ذاك المكان يصدحُ بصوته في مسمعي ، ويتراءى كأعمدة دخان . (الدكَّة) المكانُ الذي أُجزم أنَّ كثيراً منا افتقده وافتقد لقاءاته الحميمة التي كانت تكتنفه ، وتحمل حول جنباته أحاديث الأباء وقصصهم ، والتفافات الجيران النابعة من أعماق التآخي ، والعابقة من بستان التآلف . الدَّكةُ كانت دار ندوة ، ومنتدى عشيرة ، ومجلس شورى …. فوق أرضها تُطرح ملفات وقضايا الحي ، واحتياجات الأهالي وتناقش بشكل يسوده الود ويحفه الصدق . كانت ومازالت شاهد على الكثير من المواقف واللحظات، والتهاني والتبريكات ، والتعازي والمؤاساة ، بالإضافة لكونها صالة تحرٍّ للضيوف ، ومخيم استقبالٍ للملهوف . يأوي لها غريب الدار ، ويتعاهدها من اشتكى وعثاء السفر وطول الطريق . قبل أن يصيبَ اليوم العزوفَ مرتاديها ، ويطمس الكسوفَ شمسُها . وبين تلك الحقبة وهذا الزمن ينهمر شلال الأسئلة … ماسبب هذا ( الغياب ) ؟! أغِبْنا أم غُيبنا في ظل العالم الإفتراضي ؛ حتَّى أصبح أحدنا لايُطيق فراق ساعة عن هذا العالم الذي أسَـرَنـا عن أُسَـرِنـا وأبناء حيِّنا ، وأبعدنا عن نقطة التجمع الوحيدة ( الدكة ) لنعيش خارج الخدمة مؤقتاً عن واقعنا الذي أوقعنا بلا هويَّة بين أروقة الجوال وداخل غرف التطبيقات فأصبحنا نفتش عن يوميات رُعاع وتطبيقات ضياع . فلاش أخذتْ (تبثُّ) عبر كاميرا جهازها مرةً (وتبعثُ) برسائل مرة عن برِّ الأم ، وفضل سيدة الكون ، ومالها من حقوق. وفي لحظات انهمار كلماتها الحانية ، وتدفُّق عباراتها الدافئة … إذا بصوت يغرق بين أطباق العشاء ينادي : لقد فرغتُ من غسلها يا بُنيَّتـي ، فأين كنتِ ؟!