ظرافة الفنَّان

يتنحنح، ويمسح صَلعَتَهُ تردُّديًّا كأنَّه يبحث عن خيط أسود، يعدِّل جِلْسَتَهُ قُبَيْلَ بدء اللِّقاء. تُسَلَّط الأضواء عليه فإذا بمرآة فروته تعكسها مُبْهِرَةً أنظارَ المشاهدين خلف الشّاشات، وهذا أمرٌ طَبَعيٌّ لمن يشاهد نجمًا وهّاجًا يصبّ عليه فنِّيُّ الإضاءة مصابيحه ويتوهّج عليهم القمر الصّناعيّ بذبذباته.... يبدأ المقدِّم اللِّقاء الملحميُّ مُخفيًا شعره تحت قُبَّعةٍ سابغةٍ؛ فَمِثْلُ ضيفه لا تُرفَع له القبَّعات!! - ظَرافَةَ الفنَّانِ، يقال: إنَّك خُلِقْتَ بشعرةٍ طويلةٍ. - كنتُ، ومازلت محتفظًا بها بعد أن سقطت -وما سقطت إلّا من رأسي إلى قلبي-؛ فهي تميمة حظِّي التي تُمُدّنِي بطاقة الحياة كلّ يوم. - يُقال: إنّك كنت تَعَاف الجَزَر والزَّيتُون ولَبَن الإبل؟ - كُنتُ وما زلت أعاف لبن الإبل، وصرت أستسيغ الجَزَر قليلًا والزَّيتون كثيرًا. - فضيلةَ الفَنَّانِ، ما رأيك بأثر مُثَبِّتات الشَّعر الحديثة في الطَّهارة، وبجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا أوّلَ رمضانَ، وبزواج المِسْيار...؟ - أرى أنَّ... - فخامة الفنّان، ما رأيك بالنّزاع الحدوديّ بين باكستان والهند، ومتى وأين وكيف ستندلع الحرب العالميَّة الثَّالثة، ومَنْ سيفوز فيها؟ - أظنّ أنَّ... - فنّانَنا، مارأيك بالعملات الرَّقْمِيَّة، وهل تتوقّع ركودًا اقتصاديًّا عالميًّا؟ - أَحْسَبُ أنَّ ... وهكذا يجيب ناصبًا أخبارَه بكان وأخواتها، وأسماءَ الدِّين والسِّياسة والاقتصاد وأخبارَها بظنّ وأخواتها... لقد سوَّى بفطنته ما تعقَّف من علامات الاستفهام فصارت علاماتِ تعجُّبٍ من إجاباته الشَّافية الكافية؛ ولكنّ الأسئلة لم تنتهِ -وأكثرها جوهريَّةٌ تطرح نفسها- والفنّان على جناح سفرٍ؛ فلن ينتظر أسبوعًا آخر؛ ففكَّر المقدِّم وقدَّر، واتَّفقا قبل أن يفترقا أنْ يستضيفه في برنامج الطّبخ (على نارٍ هادئةٍ) الذي سَيُبَثُّ بعد البرنامج بيومٍ؛ وفيه لن تمتلئ العقول وحدها بالأنوار.