
إن مفهوم (الإنسان أو الوعي) يحتل مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة، حيث انكب الفلاسفة و المفكرون على دراسته كل من زاويته الخاصة، مما أدى الى وجود تعارض و تباين و اختلاف بين مواقفهم و تصوراتهم. و الرواية الماثلة بين أيدينا للنقاش حولها، تندرج ضمن نفس المفهوم، اذ يسلط الضوء على مسألة (الصمت)، و من هنا بإمكاننا بسط الإشكال التالي. هل الصمت أم الكلام ،ومنه بمقدورنا طرح الأسئلة التالية: بأي معنى يمكن القول إن الصمت قوة، و إلى أي حد يمكن اعتبار الكلام ضعفا. من خلال قراءة الرواية اتضح لي أنها تتبنى مسألة أساسية مضمونها التلبس بحالة عشق غريبة حيث يستهل صاحب النص نصه معترفا ومقرا ومصرا على حالة الصمت حيث قال بلسان الراوي العليم: “حالة من حالات العشق انتابتني إزاء الصمت، صوتي لا أهمية له، كذلك الأصوات الأخرى، الصمت هو المهم، بدوت عاشقاً للصمت، تلبست به، استغرقني حد الثمالة، علاقتي بالصمت تجاوزت جميع الحدود، لا يستطيع أحدٌ إخراجي من الصمت، بدا الصمت قوياً، القوة التي يحتاج إليها الكلّ، دون التمكن من الحصول عليها”. ولقد استثمر صاحب الرواية جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها، طبيعة الواقع والوجود، فكرة الوجود من العدم وحكمة الصمت والكلام، والولادة الأخرى والحياة الأخرى، وتأملات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة. وفي خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية أبرزها ، أن الصمت يساعد على زيادة الوعي الذاتي من خلال منح الفرصة لملاحظة الأفكار والمشاعر وتقبلها، كما يساعد على زيادة الوعي بالجسم والعقل، فهو فرصة للتعرف على ما تشعر به ولماذا تشعر بذلك وما يمكن فعله تجاه هذه المشاعر. وتكمن قيمة و أهمية الرسالة التي تبناها الراوي في انكسارات الصمت وجعله عدوا لدودا بدلا من أن يكون صديقا ومرافقا وحاميا من كل تبعات الحياة خيرها وشرها. وركز اهتمامه وإصراره على عدم اختراق ذلك الصمت، فانكساره معناه انكسار النفس وتعريضها للخطر ، حيث قال في نهاية المطاف وكل من حوله يقاوم الموت “ أتاني الصمت بثيابه الملائكية، يدعوني للذهاب معه... لكنني لم آبه لنداءاته المتكررة... فضلت البقاء” وحيث قرر عدم مرافقته من جديد انكسر الصمت فانتهى هذا الإنسان من عالم الدنيا الى عالم الفضاء. حاول أن يكلم الخادمة سولا التي خدمته في حياته الثانية وحاول أن يحكي مع والدته وعبو الرجل الذي استخدمه في حياته الأولى لكن لم يسمعه أحد ولم يره أحد وصار بعدها يعاني بالفعل من الصمت الذي تقلده طول حياته طوعا الى حرمانه من الكلام وقت حاجته إلية. إشكالية الوعي في الرواية بين الصمت و الكلام أفرزت موقفين متعارضين ، فاذا كان الراوي قد أكد على أهمية الصمت، فالكلام أكثر أهمية منه، فهو وسيله الفرد في التعبير عما بداخله ، ووسيلة للتواصل الجيد مع أفراد المجتمع ، وبدونه تظل أفكار الأنسان و مشاعره وأحاسيسه وما يدور في خلده حبيسة بداخله لا تصل إلى الآخرين . رواية بلغة جميلة متأملة أخذتنا معها بين حياتين من حياة فقر وحاجة الى حياة غنى فاحش وراحة تامة. تناقض استمر في نواحي عدة من الرواية: عالم الأرض، وعالم السماء. عالم البحر، وعالم الأرض الجافة. وعالم عربي، وعالم آخر. صمت، وضد الصمت. حياة، وموت. ظننت في نهاية الرواية بأن ما حدث من تناقضات ليس سوى منام عاشه الراوي ككابوس وسوف يصحو منه و يعود للواقع وفقره المدقع.