التنقيب في «الروح السعودية»

مع قرب اختتام محطات الجولة الطويلة التي جابت فيها الأوركسترا السعودية قارات العالم، وذلك منتصف الشهر الجاري في سيدني، تلوح فرصة سانحة أمام هيئة الموسيقى، إحدى هيئات وزارة الثقافة، لمراجعة مشروع «روائع الموسيقى السعودية»، الذي انطلق من باريس أواخر 2022، ومرّ بكل من المكسيك، ونيويورك، ولندن، وطوكيو، إضافة إلى حفل محلي واحد أُقيم في الرياض. لا شك أن هيئة الموسيقى تبذل جهودا مشكورة في تقديم صورة متقدمة للفن السعودي، من خلال هذا المشروع الذي تنفذه الأوركسترا الوطنية، وأبهرت فيه الجمهور في مشاركاتها الدولية، ونجحت كأداة من أدوات القوة الناعمة في تعريف العالم بموسيقى المملكة وفنها الراقي. لكن مراجعة المشروع تتطلّب حضورًا أعمق داخل المملكة، ولا يكتفي بالعروض الخارجية، ويسهم في إعادة تقديم فن سعودي يعكس الوجدان الجمعي. فليس من الإنصاف الادعاء بأن هذه الأوركسترا تمثّل روح المملكة الموسيقية، فيما تقتصر على أعمال مكرّسة منذ زمن مسرح التلفزيون. كما أن تكرار الأغاني في برنامج الحفلات يطرح تساؤلا: هل ستختلف حفلة سيدني القادمة عن حفلة المكسيك؟ وهل اختلفت حفلة باريس عن نيويورك؟ (وكيف فات عليهم تقديم الأغاني الشعبية الفريدة- ألفية الفنان سالم الحويل على سبيل المثال - التي تغنّت بأمريكا، ولندن، وباريس قبل أكثر من خمسين عاما؟) إن مشروع الأوركسترا السعودية يعد من أعظم المشاريع الثقافية، لكنه بحاجة إلى أن يذهب أيضا إلى «قاع المدينة»، بوصفه خزاناً ضخما للأغاني والألحان والتجارب التي شكلت الوجدان الجمعي. هذا المشروع يتطلب من هيئة الموسيقى جهدا مضاعفا حتى تصبح برامجها ومبادراتها مرآة حقيقية لثقافتنا الموسيقية والفنية، وليس مجرد «فرقة أوركسترا». فمسؤولية الحفاظ على الهوية الموسيقية تقتضي الإحاطة بكل الألوان والأصوات، لا الاكتفاء بما يبرز إعلاميا. فقبل أن تعرف الناس أغنيات الأوركسترا، كانت المدن السعودية تسهر على إيقاعات أغاني المطربين المحليين الذين شكلت أغانيهم جزءًا حيًا من وجدان الوطن وشخصيته الفنية، وهي تستحق أن تجد مكانًا بارزًا في مبادراتنا المستقبلية وختامًا، نداء من القلب لـ «هيئة الموسيقى» … نقبوا في عمق الروح السعودية، فإن فيها موسيقى عظيمة لم تلامسها أيديكم بعد!