ليست الأحلام وحدها تصنع الطريق!

نربط أحيانًا نجاحات البعض أو حصولهم على مراكز مرموقة بالحظ. وهذا الاعتقاد يتردد في أعماقنا، لا سيما حين نرى بعض من يحصد المكاسب دون جهد ظاهر، كأنما الدنيا تجود عليه بما لم تجده به علينا. في تلك اللحظات، نستحضر بيت الشريف بركات: إن جاد حظك باع لك واشترى لك .. فوايدٍ من كل الآفاق تاتيك. لكن، حين نتأمل حياتنا وأقراننا وزملاء العمل وقد تفرّقت بهم السبل، تتبدّى الحقيقة بأوجه مختلفة. منهم من توظف مبكرًا، كوَّن أسرته، وقنع بما بين يديه. ومنهم من واصل طريقه في عالم المال والأعمال. آخرون شقوا طريقهم نحو وظائف مرموقة، وهناك من تعثّر أو لا يزال يبحث عن مكانٍ يليق. كلٌّ في مساره، والحياة لا تتكرر. يا كثر أحلامي وأنا صغير! تخيلت نفسي طفلًا خارقًا يساعد الناس، ربما تأثّرت بسوبرمان وشاشات الأفلام، كما تأثر غيري. وياما سقطت من فوق الدولاب! بعض الأحلام تصطدم بجدران الواقع، وتتكسر على صخور الحياة. أحيانًا لا نعيش ما تمنيناه، بل ما فُتح لنا من أبواب، وإن لم تكن ضمن قائمة أحلامنا. لم أخطط أن أصبح معلمًا، ومع ذلك أفنيت ثلاثة عقود معلّمًا للإنجليزية، وكنت مستمتعًا بتلك المهنة. بعض الأقران وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. امتلك احتياجاته منذ البداية، فتزوج باكرًا، واستقرت حياته قبل أن تبدأ ضغوطها. وتلك أرزاق تُعطى ولا تُفسَّر. وفي المقابل، هناك من تعب وبنى مشروعًا حجراً حجرًا، فنجح، وذاق لذة الإنجاز. وآخرون وجدوا سعادتهم في أسر بسيطة ووظائف مستقرة، فاطمأنّوا ورضوا. لكن السؤال يبقى: كيف يمتلك إنسانٌ كل المهارات والخبرات، ولا تُتاح له الفرصة؟ بينما تُمنح لآخر لم يُعرف بموهبة؟ ربما لا إجابة منطقية، فالحياة ليست معادلة رياضية، بل مغامرة تُقاس بالحركة، والسعي. في لحظة صفاء، تذكّرت كيف حلمنا في طفولتنا بطرق رسمناها في خيالنا، لكننا مشينا في دروبٍ لم نخطط لها، ومع ذلك أوصلتنا إلى حيث شاء الله لنا أن نكون. قد لا يُحقّق الإنسان كل ما يحلم به، لكنه ليس خاسرًا. فالرّبح الحقيقي يكمن أحيانًا في التجربة ذاتها: أن تتعلّم، أن تسقط وتنهض، أن تقترب من الحلم، ولو لم تبلغه، فمجرد السعي نحوه رحلة تستحق أن تُعاش. وأنا على قناعة، كما قال شوقي: لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها سِيّانِ مَن غَلَبَ الأَيّامَ أَو غُلِبا