الانتحار البطيء.

لازال صديقي العزيز يتعاطى سُم النيكوتين ممزوجاً بالقطران ومواد أخرى وهو مدركٌ لعواقب ذلك ويخفي عجزه عن تركه بتبريرات أوهى من بيت العنكبوت. يمر دخان التبغ من شفتيه إلى رئتيه مروراً بلسانه وحلقه وأسنانه وقصبته الهوائية وربما تعدى مرحلة الترميم إلى الخراب الدائم ووصل تدميره لذاته عن طريق دمه الملوث بالسموم إلى أعضاء أخرى من جسده، وفي ليلة بدا لي ألا صبح لها قررت أن أتصدى له وأعكر مزاجه فقلت له بهدوء: يا عزيزي أنت تتصدى لجميع مشاكل العالم بالتحليل والتنظير والتوقعات، وتبدو قادراً بالكلام على حل جميع الأزمات والمشاكل العالمية وتتحدث بنبرة واثقة في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والدين وبلسانٍ ناقد حاد وأنت عاجزٌ فعلياً عن إصلاح ذاتك، توقف يا عزيزي والتفت برغبة صادقة مخلصة إلى داخلك الذي قد يكون ملوثاً بأدواء أخرى تحتاج إلى المعالجة. وامسح بلا رفق جميع تعاملاتك مع الآخرين بعين النقد الذاتي القاسي، وبنفس العين الناقدة بحدة لابد من المرور على طريقة تفكيرك ومقارباتك لأحداث الحياة اليومية ومشاكلها بلا تعالٍ ولا غرور مثقفين نخبويين، وإن استطعت أن تتجاوز هذه العقبة الكأداء ستكون بلا شك إنساناً أمثل وأرقى. صديقي العزيز يعلم بلا شك أن المفسدين في الأرض كثر، ويتجاهل بوعي وإصرار أنه أحدهم، فهو يمشي ويلوث الجو في كل مكان يحل به، وينقل رائحة التبغ المحترق الكريهة في ملابسه ويؤذي الناس بهذه الرائحة ويضرهم. ويصبح بوعي أو لا وعي مصدر دخل لشركات التبغ. الانعتاق من التعود اللاواعي على إدمان التدخين يتطلب خوض معركة المواجهة مع الذات والانتصار على الضعف والرغبة والصبر لمدة زمنية قصيرة نسبياً ولا تتجاوز الشهر إن توفرت الإرادة الصادقة الواثقة بحتمية الانتصار على هذا الضعف أمام لفافة التبغ. صاحبي لا يستطيع النوم إن نقص مخزون التبغ لديه ويذهب في أي وقت من الليل بحثاً عنه وهو يسعل سعالاً شديداً يكاد يكون متواصلاً والحقيقة أنني لا أفهم ولا أعلم أين المتعة في البحث آخر الليل عن متجرٍ غير مغلق يبيع التبغ. ارتفاع أسعار التبغ ومشتقاته ونظائره لم يحد كثيراً من مستهلكيه وخصوصاً القدامى منهم لكن انقطاع وصوله للأسواق لأي سبب من الأسباب ستكون بمثابة الكارثة على المستهلكين الذين يمارسون التدخين على بصيرة بأضراره الملموسة.