الحارس.

معنى الحارس لا يحتاج إلى إيضاح، بعد أن أتاحت كرة القدم رؤيته (رأي العين) كما يقول القدماء. ومن قرأ الشعر العربي يعرف ارتفاع الصراخ الزائف الذي اندلع من الشعراء، وهم يرون حراس محبوباتهم الخيالية يتربصون بهم في كل طريق، ولكنهم لا يأبهون لذلك؛ لأن (من يركب البحر لا يخشى من الغرق) كما تشدو فيروز، أو يستعمل الحيلة : (إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا / لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر) كما اقترح ابن أبي ربيعة. لكن تولستوي ــ عليه الرحمة ــ ينقلنا إلى معنى آخر، غير حراسة الذهب، وصيانة الجميلات، والحرص على سلامة العظماء. إنه ينقلنا إلى (حراسة الذات) وهنا، لك أن تسأل: ما معنى هذه الحراسة التي يدعونا إليها تولستوي؟ إن (حب البقاء) مغروس في كل إنسان بل في كل حي، فإذا كان هذا ما يعنيه، فهو مجرد تكرار لشيء غريزي . هل يعني ما عبر عنه معاصره فرويد ب (الضمير) أو الأنا العليا؟ كلا. إن الضمير يحمل مفهوما أخلاقيا اجتماعيا، ويوصف بأنه (مثالي)أي أنه متفاوت الفعل عند الأفراد وفق السلوك الاجتماعي، يمنع من ارتكاب الخطأ في حق الغير، وليس حارسا للذات عن الانزلاق وفقدان الإرادة أمام المغريات عند جميع الناس. إن ما يقصده تولستوي يمكن التعبير عنه ب (النقد الذاتي) وهو الاعتراف بالخطأ أمام الذات نفسها، ووقوف الإرادة الصارمة ضد تكراره. ولا تحسبن أن هذا يمكن عمله بسهولة. إنه عمل شاق؛ لأن النفس التي تود صنع (برج بابل) لابد لها من نمو المعرفة، ومن الإقدام الشجاع الذي لا تثنيه الصعاب عن تنفيذ ما يريد، ويدرك ما عليه المجتمع، فكرا وسلوكا، بعمق ناقد. وهذه الشروط لا يملكها إلا بعض الأفراد، الذين ولدتهم أمهاتهم في ليلة القدر. منذ زمن، بطول نخلة، كتبت متسائلا: كيف يولد هذا الذي يسمى (الضمير) وكيف يبقى متوهجا بالشباب عند بعض الأفراد، وكيف يموت عند البعض الآخر؟ ولا أذكر الآن كيفية وقوفي أمام هذه الأسئلة، وهل أجبت عليها أو لا؟ الآن أصبحت أمراض الضمير وموته، عند كثير من الناس، عموديا وأفقيا، أكثر وضوحا، فالأفق الذي يحتله، كرها، زعماء الرأسمال، وما يصنعه إعلامه من تشييء الإنسان، وتحويله إلى (بعد واحد) أي إلى إنسان آلي، شيع الضمير إلى قبره، وهو يضحك.