عبدالعزيز بن أحمد الغنام..

العصامية في رجل والجود في عائلة.

سمعت بالمواطن الغيور والمحسن والمبادر لأعمال الخير الشيخ عبدالعزيز بن أحمد بن غنام الغنام من وقت مبكر، ولكن أول لقاء لي معه كان قبل خمسين عاماً، إذ كنت مشاركاً في بطولة السباحة لدول مجلس التعاون الخليجي بدولة الكويت عام 1397هـ 1977م، كنت وقتها أعمل مديراً لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأحساء، وشاركت سكرتيراً للفريق إلى جانب الأستاذ إبراهيم الشامي رئيساً للفريق وهو مدير عام الرئاسة وقتها. أذكر أن إذاعة الكويت أجرت لقاءاً معي، فما شعرت إلا بشاب يسلم علي أثناء السباحة ويقدم نفسه بأنه ابن عبدالعزيز الغنام وقد سمع والده اسمي ضمن الوفود المشاركة فبعثه ليدعونا لزيارته وتناول طعام الغداء. حاولت الاعتذار فأصر فعرفته برئيس الوفد وتحت إلحاحه وافق. وكان اللقاء بوالده وصار الاحتفاء ومن هنا بدأت أتابع أخباره، حتى حدث الغزو وعرفت ببقائه طوال فترة الغزو في الكويت وكان له دور كبير في مساندة المقاومة وإغاثة عدد كبير من الأسر المحتاجة. أتيحت فرصة أخرى في العام الماضي 1445هـ لمقابلته مع مجموعة من الأدباء الذين دعاهم الأستاذ الدكتور صالح بن أحمد العليوي لزيارة الزلفي وكان ضمن البرنامج زيارة خاله الغنام بمزرعته بالزلفي، وتناول طعام العشاء، فوجدت الرجل بما يتحلى ويتمتع به من حيوية ونشاط رغم تجاوزه التسعين من عمره، وقد رحب بالجميع وذكرَّهم بدعوته السابقة لزيارته بالكويت. واستغل الدكتور العليوي فرصة إقامة معرض الكويت الدولي للكتاب لعام 2024م واتصل ببعض الأدباء ورؤساء الأندية الأدبية بالمملكة. واتفقوا على أن تكون زيارة الكويت في الفترة من 24-30/11/2024م وكان ضمن برنامج الزيارة زيارة المراكز العلمية والجامعات وبعض الوجوه الاجتماعية ومن بينها زيارة الوجيه الغنام في ديوانيته بضاحية عبدالله السالم. وكانت جلسة ثقافية تخللها كثير من القصائد اختتمت بتناول طعام العشاء. أعود لسيرة الغنام الذي هاجر جده غنام من الزلفي إلى الكويت سنة 1817م، أما عبدالعزيز فهو ابن التاجر أحمد الذي يعمل بتجارة المعدات البحرية بدبي، ولد عبدالعزيز بالكويت عام 1930م توفي والده عام 1941م فأخذه خاله عبدالله الأحمد الزنيدي إلى الزبير للدراسة بمدرسة النجاة حتى الصف الثالث الابتدائي، فاضطر إلى ترك الدراسة للعمل لمساعدة والدته وأخوانه لتوفير لقمة العيش. وأنا أكتب هذه المعلومات مقتبساً من كتاب (لآلي كويتية) تأليف عبدالمحسن محمد حجي العوضي ص 237-246. وكانت والدته تخيط الملابس لأصحاب الدكاكين مساهمة منها في تحسين المستوى المعيشي للأسرة. في السادسة عشرة من عمره -1946م- عمل في محل بقالة عبدالله العقيلي الذي يسافر للهند بين وقت وآخر، فكان الاتفاق بينهما أن يكون الريع مناصفة، وكانت البقالة تبيع السكر والشاي والطحين.. وبعد ستة أشهر انتهى عمله بالبقالة، ليعود للعراق مرة أخرى ويعمل لدى الحاج أحمد عبداللطيف الحمد بالعشار مراسلاً براتب ستة دنانير عراقية شهرياً إضافة للسكن والمأكل. اجتهد الغنام في عمله وأصبح محل ثقة فعين أميناً للصندوق، وخوفاً من الخطأ في الحساب طلب إعفاءه ليعين مسؤولاً عن الميزان حيث أنهم يصدرون القمح والشعير إلى أمريكا والهند، ثم مسؤولاً عن صندوق الأمانات. استطاع أن يوفر مبلغ مئة دينار أعطاها عبدالله الفهد لاستثمارها بالتجارة، وكان هذا أول عمل خاص. وفي أواخر الخمسينيات عاد إلى الكويت وفكر في العمل التجاري فاشترى مع أخويه – محمد ويوسف- محلاً يملكه عبدالله العوضي ومؤجراً لآخر يباع به قطع غيار السيارات بمبلغ 1200 روبية وقد تكاتف الأخوة من أجل نمو وازدهار العمل. بدأ المحل ينمو وأصبح معروفاً، فبدؤوا بالاستيراد من الخارج ومن أمريكا ثم اليابان من عام 1955م وحصلوا على وكالة تويوتا اليابانية ووكالة مع شركة فدر موغل في أمريكا، ثم أصبحوا أصحاب شركات الغنام، مع افتتاح كراج ضخم ومميز لتصليح السيارات، وتم تجهيزه بأحدث الأجهزة مع توفر الفنيين والخبراء. لقد قام عبدالعزيز الغنام وأخواه بإنشاء عديد من الشركات، منها لقطع غيار السيارات اليابانية وأخرى لقطع السيارات الأمريكية، وثالثة لزجاج السيارات، ولم يتوقف الطموح عند ذلك الحد بل أنشآ شركات أخرى ومشاريع جديدة داخل الكويت منها مستشفى رويال الحياة للولادة وتخصصات أخرى، وكذلك إنشاء عديد من المدارس، وامتلاك كثير من الأسهم بعد تحرير الكويت من الغزو، وقد عمد الغنام وإخوته إلى إدخال أبنائهم في عملهم التجاري وبعد أربع سنوات من اكتساب الخبرة تم تسليمهم إدارة الشركة وأقسامها وأصبح دور الوجيه الغنام وأخويه المتابعة وإبداء النصح والرأي والمشورة. وتابع ما قام به الغنام من دعم للمقاومة أثناء الاحتلال بالتفصيل، وذكر بعض ما بذله من أوجه الخير رغم محبتهم بسريته، ومنها استضافتهم لضيوف جامعة الكويت وتقديم واجب الضيافة. وعن مكانة ديوانية الغنام في المجتمع الكويتي. فقال العوضي: «.. وتعتبر ديوانية الغنام وجهة لزوار الكويت من دول عديدة، ومن أجل ذلك تم عمل نظام فندقي متمثل في إنشاء عديد من الغرف الفندقية من أجل إقامة الضيوف. وقد تم تسجيل الديوان بشكل رسمي كوقف ذري لكي يستمر في عطاءاته ودوره الاجتماعي لأجيال قادمة..» ص244. وفي الزلفي تم إنشاء جامع عام 1979، وقبله ثم إنشاء شركة الزلفي للإنشاء والتعمير عام 1962م شركة مساهمة، لإنشاء مباني مهيأة مقرات للدوائر الحكومية في الأرض الواقعة بين بلدتي العقدة والبلاد إضافة لسوق تجاري يضم قرابة 30 متجراً لتأجيره على ممتهني البيع والشراء. وقد طرح الفكرة رجل الأعمال حمود الطريقي (الرويبخ) على الغنام الذي تبنى الفكرة ودعا الميسورين من أبناء الزلفي بالكويت للمساهمة بها، وفعلاً نفذ المشروع، وقد حدد قيمة السهم بألف ريال وبعد خمس سنوات وزعت الأرباح على المساهمين ليصل ربح السهم الواحد بأربعة عشر ألف ريال، وما زال السوق قائماً رغم مضي 65 عاماً على إنشائه. ولحياته الاجتماعية ذكر أنه تزوج عام 1953م ورزق من الأولاد أربعة أبناء وست من البنات حفظهم الله. وقال الأستاذ فهد الطليب في كتابه (علماء وأعلام وأعيان الزلفي) بعد استعراض سيرته قال: «وعبدالعزيز وإخوته لهم مواقف مشرفة.. والذي بذل نفسه وماله وفتح بيته وديوانيته للداني والقاصي.. وأثناء الغزو واحتلال الكويت ضحوا بأموالهم، وعرضوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن حياض الكويت.. وقال: إنه يرفض ذكر شيء من تلك المواقف قائلاً: الواجب لا يجب أن يعلن.. وقد قرأت في كتاب (لسور الكويت الرابع) لمحمد صلاح الغزالي الذي أورد فيه بعض المواقف والتضحيات، وقال على لسان عبدالعزيز: «.. بقيت تحت الاحتلال سبعة أشهر إلا أربعة أيام. وكانت معي والدتي وكنت قد عرضت عليها الخروج بعد أن أجرت عملية جراحية فرفضت إلا أن أخرج معها، إلا أنني فضلت البقاء في الكويت لكي أقوم بما أستطيع أن أقوم به، وأثناء الاحتلال كان أخواي محمد ويوسف بمنطقة الزلفي في مزرعتنا هناك، والتي فتحت في أول أيام الغزو واستقبلت أكثر من 300 نسمة من أبناء الكويت بين رجل وامرأة، ووضعنا المستلزمات كافة من الفاكسات والتلفونات تحت تصرف إخواننا الكويتيين والصحفيين طيلة الاحتلال ..» ص204. وذكر كثيراً مما تعرضوا له من مضايقات وملاحقات ومن سلب ونهب من مخازنهم وغيره. واختتم حديثه بقوله: «المهم أنه والحمد لله بالرغم من الضرر الذي أصابنا من جميع النواحي مثل الخسارة المادية والتي تفوق خمسة ملايين دينار كويتي، إلا أنها لا تهم مع عودة الأرض. وليس هذا شعورنا فقط وإنما كثير من الإخوان..» ص210. قال عنه الشيخ الدكتور محمد البراهيم الحمد كما قال المتنبي: «وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء الشيخ الوجيه الكريم عبدالعزيز الغنام يقدم من الكويت لزيارة مسقط رأسه الزلفي أياماً فيملؤها صلة وبراً وزيارات واستضافات، هو باختصار مدرسة في الأخلاق والبشاشة والتواضع وكرم الضيافة». كتب الأستاذ أحمد بن عبدالمحسن العساف في مدونته تحت عنوان مقالات وقراءات.. سير وأعلام عن الشيخ الوجيه عبدالعزيز الغنام بعد مقابلته بديوانيته بالكويت يوم الأحد 14/6/1446هـ 15/12/2024م قائلاً: «فجع بيتم باكر إثر سقوط بضاعة على رأس أبيه عام 1360هـ 1941م، ثم تكررت المواجع عقب ذلك بخمس سنوات بوفاة خاله عبدالله بن أحمد الزنيدي وهو الرجل الشفيق الذي تكفل بهم عقب رحيل والدهم، حمل الفتى العبء مستقلاً به ومتشاركاً مع إخوانه فيما بعد، ومارس العمل من أدنى درجاته، وصبر وصابر، واستعلى على رغبات النفس المتطلعة إلى كثير من الراحة، ومزيد الطعام، مع التسويف والتوكل، ولم يغتر بلذاذة الكسل، حتى استطاع بناء مجد استثماري لافت، تجاوز التجارة إلى غيرها، وبه فاق أقرانه من رجال المال والأعمال، وضرب بسهم وافر الحظ في سير نبلاء العصر، ومسيرة فضلاء البلاد..». وبعد استعراض سيرته التي أشرت إليها سابقاً، اختتم مقاله الثري بقوله: «هذا طرف بهي من سيرة رجل أبي همام رضي، لم ينكسر لقلة المال، ولم يخضع لما يعترض المسيرة من كدر ورهق وصعوبة معالجة للبشر والأحداث، والمتوقع أن حياة الشيخ – أمتع الله به- تحتفظ بالمزيد من الخصال العبقة والمرويات الحميدة، ولا غرو فالنفوس الكبار لا يتعاظم أمامها شيء وأن كان على التحقيق عظيماً، صعب المنال، عسير المبلغ». هذا وسبق أن أصدر الدكتور عبدالمحسن الخرافي كتاب (عائلة الغنام.. رمز الضيافة الأصيلة للديوان الكويتي) عام 2008م من 200 صفحة، تناول به سيرة ومسيرة عبدالعزيز الغنام وأخويه محمد ويوسف وأبنائهما بالتفصيل. قال عنه: «وشمائله معروفة للقاصي والداني، وأياديه البيض على كثيرين من الكرم والنخوة والمروءة والشهامة والتواضع والصبر والأمانة والاخلاص وحب العمل والمثابرة عليه. وأثناء احتلال الكويت ظل مرابطاً في الكويت وكانت له مواقف مشهورة مع قيادة المقاومة ومساعدة أهل الكويت وغيرهم. وقد شارك بعضوية عديد من مجالس الإدارات واللجان الحكومية والشعبية..» ص76.