عن الجمعيات الخيرية وسكن الأئمة..

الواجهة تتحدث بصدق الصورة.

في الوقت الذي تتسابق فيه الجهات الحكومية والخاصة إلى تطوير واجهاتها ومقراتها لتقديم صورة حضارية تليق برؤية المملكة 2030، ما زالت كثير من الجمعيات الخيرية وسكن الأئمة والمؤذنين تفتقر إلى الحد الأدنى من الجاذبية العمرانية والحضور البصري. إن الناظر إلى بعض تلك المباني يشعر بانقباض داخلي، وكأن المكان يخبره بأنه فقير، مهمَل، أو غير ذي شأن. جدران باهتة، إضاءة شبه معدومة، لوحات قديمة، وتصميم معماري يفتقر إلى الحيوية. وكأنها تُجسّد ضعف من يقصدها، لا أن تواسيه أو تعينه. إن الجمعيات الخيرية لا تمثل فقط “مكانًا لتلقي المساعدات”، بل هي صورة لمجتمع التكافل، وواجهة للعمل الإنساني والديني. حين تكون واجهتها قاتمة، فإنها لا تؤثر فقط في الزائر أو المتبرع، بل في العاملين والمستفيدين أيضًا. الصورة الخارجية ترسل رسائل نفسية، إما بالثقة والطمأنينة، أو بالضعف والتردد. ولا ننسى سكن الأئمة والمؤذنين في بعض مساجد الأحياء. هؤلاء هم حراس بيوت الله، ورموز دينية يومية في حياة الناس. فهل من المنطقي أن تكون مساكنهم متواضعة ومُهملة إلى حد يشعرهم بالمسكنة؟ أليس من الأولى أن تكون مساكنهم نموذجًا للرعاية والتقدير؟ اللوم لا يقع فقط على الجهة المشرفة، بل أيضًا على بعض المتبرعين ببناء المساجد؛ فواجبهم لا يكتمل دون تعزيز مكانة الإمام والمؤذن. من المهم أن تضع وزارة الشؤون الإسلامية اشتراطات واضحة في كل مشروع بناء مسجد على نفقة المتبرعين، تُلزم فيه بالعناية بمرافق المسجد كاملة، وفي مقدمتها مسكن الإمام والمؤذن. ما نراه اليوم في كثير من الحالات هو تركيز على قبة المسجد، زخارفه، وأرضياته، بينما يُقام مسكن الإمام والمؤذن وكأنه “ملحق طوارئ” أو منشأة ثانوية تُنفذ بأقل تكلفة وأدنى جودة، دون أي اعتبار للقيمة المعنوية لساكنيه. هذا التهاون يُعد إخلالًا بجوهر الرسالة الدينية والاجتماعية للمسجد. فالإمام والمؤذن ليسا موظفين عاديين، بل رمزان دينيان يتطلبان التقدير في كل ما يُقدّم لهما، وأقل ذلك توفير سكن مناسب يليق بمن يخدم بيت الله ليلًا ونهارًا. لا يُطلب أن تكون هذه المرافق فخمة، ولكن على الأقل، أن تكون مرتبة، مضاءة جيدًا، مصممة بذوق، مع لوحات تعريفية أنيقة وحديقة صغيرة أو زوايا مريحة تفتح النفس. كل ذلك ممكن ضمن إمكانيات واقعية، إذا ما وُجد التخطيط والإرادة. ختامًا، ينبغي أن تنطلق مبادرات جادة من وزارتي الشؤون الإسلامية والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بالشراكة مع البلديات والقطاع الخاص، لدعم تحسين البنية التحتية لمقرات الجمعيات وسكن الأئمة. فهذه المنشآت ليست أمكنة عادية، بل رموز للقيم التي نعتز بها: الإيمان، العطاء، التكافل. فلْتكن واجهاتها شاهدة على هذا الشرف، لا عبئًا نفسيًا على من يراها أو يرتادها.