
خصصت مجلة الفيصل ملفًا موسّعًا لتسليط الضوء على التحولات التي شهدها المشهد الثقافي السعودي خلال الأعوام الخمسة الماضية، منذ تأسيس وزارة الثقافة. يضم الملف مقالات لعدد من الكُتّاب والنقّاد السعوديين والعرب الذين تناولوا بالتأمل والتحليل تجربة الوزارة، وبرامجها، ومبادراتها، ومدى تأثيرها في الحراك الثقافي الوطني. في هذا السياق، ترى الناقدة سماهر الضامن أن ما يحدث على الساحة الثقافية السعودية يستحق المتابعة والتأمل، مشيرة إلى أن التغيرات الجارية «مثيرة للاهتمام»، ويشيد المخرج يسري نصر الله بالبنية الثقافية السعودية، مؤكدًا أنها لا تفتقر إلى أي مقومات للنهضة، بينما يصف الكاتب سعيد الغانمي الطموح الثقافي السعودي بأنه «طينة مختلفة»، ويرى الشاعر منصف الوهايبي أن الثقافة في السعودية باتت «شفرة لتنظيم الحياة بأكملها»، في حين يدعو عبدالوهاب الحمادي إلى استدامة الجهود الثقافية وعدم الاكتفاء بالبدايات. يمتد الملف ليعرض تطور أداء الهيئات الثقافية، وما قدمته من فعاليات ومهرجانات ومبادرات غير مسبوقة، تشمل هيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة الأفلام، وهيئة التراث، وغيرها من الكيانات التي ساهمت في نقل الثقافة السعودية من الهامش إلى قلب المشهد المحلي والعالمي. ويبرز الملف كيف تحولت بعض المشاريع – التي كانت تُصنف سابقًا كأمنيات – إلى برامج نوعية تتجول اليوم حول العالم، من عروض الأوركسترا إلى أزياء الفلكلور، ومن ترجمة الثقافات إلى السينما. ويتواصل التنوع داخل العدد من خلال حوار مطوّل مع الباحثة المغربية أسماء المرابط، التي تعبّر عن تطلعها إلى مدرسة فكرية جديدة تمزج بين «المنظور الروحاني والمنظور العقلاني»، كما جاء في حوارها مع الكاتب صابر مولاي أحمد. ومن بين مواد العدد أيضًا وداع للكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا تحت عنوان «إيمان أعمى بالتزام الكاتب»، وبورتريه للكاتب الجزائري رشيد بوجدرة يغطي تجربته الأدبية الممتدة لستين عامًا أعدّه خالد بن صالح، وقراءة نقدية لموسى برهومة في مشروع المؤرخ العراقي فاضل الربيعي، إضافة إلى مقال يستعرض مفهوم «العمارة الشمولية في زمن العولمة» باعتبارها رؤية جديدة في المجال المعماري. وفي باب «قضايا»، يكتب عبدالسلام بنعبد العالي عن إشكاليات الترجمة وازدواجية اللغة في سياقات ما بعد الاستعمار، بينما تنشر المجلة قراءة لرواية «هجمة واعدة» للروائي السعودي علوان السهيمي، وتناقش موضوعات متنوعة تتصل بالإبداع، وذاكرة المكان، والنقد الأدبي، والفلسفة، والتاريخ. ويحتفي العدد بإصدارين جديدين من إصدارات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ضمن سلسلة «تحقيق التراث». الأول هو كتاب «الأزمنة» للنحوي الكبير المبرّد، ويُنشر لأول مرة اعتمادًا على نسخة مغربية نادرة محفوظة في خزانة القرويين بمدينة فاس. أما الإصدار الثاني فهو كتاب «أخبار النساء» للمؤلف أسامة بن منقذ، والذي صدر محقّقًا عن نسخة فريدة يمتلكها المركز، وقد فاز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2025 م. كما يضم العدد مجموعة من المقالات الفكرية والنقدية والأدبية لكبار الكتاب والمفكرين، من بينهم فيصل دراج الذي كتب عن عوالم المفارقات المحزنة في رواية «رجال وفئران» لجون شتاينبك، ومحمد برادة في مقالة بعنوان «الإبداع أمام أسئلة محرجة»، ودنى غالي التي تناولت قضية الأيقونات في علاقتها بالذاكرة تحت عنوان «بين الإعلاء والمحو»، إلى جانب شيرين أبو النجا في قراءة سردية بعنوان «هند أو أجمل امرأة في العالم»، وخلدون النبواني في دراسة حول الحداثة ومتلازمة الملك ميداس، وشهاب اليحياوي الذي ناقش مسألة توسع حضور «الخبير» وانحسار دور المثقف. كما نُشرت مقالة فلسفية بعنوان «الفلسفة كوعي بالخطر في نوم عميق» بقلم نبيل فازيو، وتحليل أدبي بعنوان «العدمية والاغتراب الثقافي في الوداع في مثلث صغير» لخالد حسان، إلى جانب قراءة في رواية «أجواء مباحة» لأحمد السلامي أنجزتها سهير السمان، ودراسة نقدية لرواية «حمام الدار.. أحجية ابن أزرق» لسعود السنعوسي كتبها أبو المعاطي الرمادي، ويضم العدد أيضًا مقالات قصصية وتحليلية متفرقة. بهذا العدد، تؤكد مجلة الفيصل استمرارها في مواكبة التحولات الثقافية العميقة في السعودية والعالم العربي، محافظة على موقعها كمنصة فكرية وثقافية رصينة، تُجيد الإصغاء إلى زمنها وتُحسن التقاط أسئلته.