فهد عافت: الشاعر الذي لا يُشبه أحدًا .

‏ في زمنٍ تطير فيه الأسماء كالشرر، ثم تخبو سريعًا كأحلام النهار، يبقى (فهد عافت‬) بجمال روحه ، لا كنجمٍ عابر، بل كهرمٍ مضيءٍ يحمل في تفاصيله سرَّ البقاء. ‬ ‏عرفته اسمًا في ثمانينيات القرن الماضي،حين كانت قصائده تتهادى الينا كندى الفجر، ثم عرفته روحًا في التسعينيات، فكانت لقاءاتنا بعد كل غيابٍ -وان طال - كأنها لم تكن إلا استراحةَ خافق قبل أن يعود إلى نبضه. ‏بشاشةٌ لا تعرف التكلف، وحياءٌ يخفي وراءه عذوبة روح، وعبارةٌ تنساب كالماء القراح .. تلك هي علاماته التي لا تُخطئها عينُ الجليس، ولا ينساها رفيق او صديق. ‏لقد أخذ العملُ الإعلاميُّ من فهد عافت الوقتَ والجهدَ، لكن الملهم في أعماقه لم يغب يومًا؛ فمن الصحافة الورقية إلى العالم الرقمي، ومن الإذاعة إلى الشاشة، بقي الشاعرُ هو الظلُّ الوفي للصحفي، والروحُ الخفيةُ للكاتب في داخله . ‏أسَّس فهد عافت مسيرةً فريدةً في صحافة الأدب الشعبي، فكان محررا وممارسًا وحاملًا لراية التجديد بجرأةِ المبدع والمحارب المتمكن. ومنذ بدايته، اختطَّ لنفسه منهجًا مغايرًا، فكان شاعرًا مختلفا ممتلئًا بالوعي، عميقَ الفكرة، مبتكرا جريئا صادقَ العبارة، إلى حدٍّ يجعل كلماته تفوح عبقًا لا يُحجَب. ولم يكُن صدقُ بوحِه مجرد فضيلة ، بل كان جوهرًا سحريا يلمس القلوب قبل العقول.. ويفتح الأبواب الموصدة بلمسة بارعة من المروءة واللباقة . ‏حمل ثقافةً أدبيةً ثريةً، نادرًا ما اجتمعت لشاعرٍ من جيله، فتمرد — بوعي الفنان — على الأنماط السائدة، واستفزَّ المبدعين حوله ليسيروا معه نحو آفاقٍ أرحب، حيث الشعرُ ليس كلامًا منمقًا، بل هو نبضٌ وجوديٌّ وسيرة ذاتية لمشاعر أرض وآدمي . ‏أعترف أنني لم أكن متابعًا جيدًا لكتاباته النقدية في الشأن الرياضي أو الفني، لكنني دائمًا ما كنت أتلمس ظلَّ روحه في قصائده، حيث يتحرر الشاعرُ من كل الأقنعة، ويطلُّ بوجهه الأعمق : وجهِ المتأمل ، والحليم والثائر احيانا . ‏فهد لم يتشكل من فراغ، بل صُقِل بتجربةٍ إنسانيةٍ ثريةٍ، مليئةٍ بالشجن والمعاناة والترحال، وبالمواقف التي نهل من كأسها مرارةً وحلاوةً، وبالصبر الذي لم يعرف الاستسلام. ‏كثيرون من المبدعين يلمعون ثم يختفون، لكن فهد لم يظهر كظلٍّ زائلٍ، بل كحضورٍ دائمٍ، كشجرةٍ ضاربةٍ بجذورها، لا تعرف إلا أن تجود بظلالَها وثمارَها على كل عابرٍ. وستمضي الأيام ، ويذهب أهلُها، ويبقى عافت بشعره، وروحه، وتلك العذوبة التي صاغها من ألمه وأمله. ‏تحيةً من الأعماق لذلك الصديق النقي الذي أحبه ، لهذا الانسان الذي جعل من الشعر رسالةً وفتنة وجمالًا، لهذا الرجل الذي لم يكُن مجردَ اسمٍ، بل كان — ولا يزال — مَعلمًا في ذاكرة الزمن والعشاق والأصدقاء.