دبلوماسية التوءم السيامي.

على غرار دبلوماسية الباندا التي تميزت بها الصين والتي حولت من خلالها كائناً مهدداً بالانقراض إلى لاعب هام في العلاقات الدولية برتبة سفير، تميزت المملكة هي الأخرى في ربع القرن الأخير بإجرائها عمليات فصل التوائم السيامي الأكثر تعقيداً على مستوى العالم، خاصةً تلك التي أجرتها للتوائم الملتصقين من جهة الرأس، وبرزت من خلالها مدينة الملك عبد العزيز الطبية بمدينة الرياض، بإمكاناتها المتطورة وأطبائها السعوديين المتخصصين وعلى رأسهم عراب فصل التوائم المستشار بالديوان الملكي والمشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله الربيعة، والذي أجرى أولى عملياته الجراحية الناجحة في 31 من ديسمبر لعام 1990م لتوءم سيامي سعودي في مستشفى الملك فيصل التخصصي بمدينة الرياض، لتتوالى بعدها عملياته الجراحية مع فريقه الطبي على مدى 35 عاماً لتصل إلى 64 عملية جراحية لأكثر من 149 توءماً من 27 دولة شقيقة وصديقة حتى الآن. هذه الأرقام والاحصاءات من الذكاء أن تأخذ مساراتها في الفضاءات العربية والإقليمية والدولية، فما تقوم به المملكة ليس بالشيء اليسير، وإن أردنا الحديث بلغة الأرقام، تلك اللغة التي يفهمها العالم ويحترمها، تقدر تكلفة العملية الجراحية الواحدة ما بين (300 ألف ريال إلى مليون ريال) تُجرى على يد كوادر طبية سعودية متخصصة يصل عددهم في العملية الواحدة إلى 35 مختصاً ما بين أطباء وجراحين وممرضين وفنيين، كما تقدر المدة الزمنية لمجموع العمليات التي أجريت حتى كتابة هذا المقال نحو 600 ساعة، وأطول عملية منها استغرقت 23 ساعة ونصف الساعة متواصلة. هذا العمل الإنساني الجليل في تاريخ الطب والجراحة الحديث يُمكن المملكة من تسجيل دبلوماسيةٍ من نوعٍ خاص (دبلوماسية التوءم السيامي) - إن جاز التعبير - فهذه الدبلوماسية الفريدة من نوعها تمنحها بعداً إنسانياً وحضارياً آخر يُضاف لسجلها الحافل بالنجاحات والمكتسبات التي حصدتها على مدى سنوات ولازالت، لذا من الأهمية أن نتعاطى مع (منجزاتنا الطبية وتفوق منشآتنا الصحية وتعاملنا المثالي مع جائحة كورونا وعمليات فصل التوائم السيامي المعقدة وكفاءة الطبيب والجراح السعودي) - على سبيل المثال - كأدوات اتصالية هامة وقوة ناعمة للمملكة وصوتاً حاضراً في المحافل الإقليمية والدولية، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية، هو (البرنامج المجاني) الوحيد من نوعه على مستوى العالم الذي يتكفل بكافة نفقات العملية الجراحية بدءاً من وصول (التوائم السيامي أو الطفيلي) لأرض المملكة، مروراً بإجراء العملية ومراحل العلاج، والتأهيل البدني والنفسي، فضلاً عن متابعة حالتهم الصحية بعد عودتهم سالمين لبلادهم على مدى عام وأكثر.